لو لم تكن «القاعدة» موجودة لاخترعناها، يكاد يكون ما سبق لسان حال السادة الأفاضل الذين استثمروا العملية الإرهابية فى كنيسة بغداد، وما تلاها من بيان «شيطانى» وإن كان منسوبا لتنظيم القاعدة يهدد مسيحيى وكنائس مصر.
البعض هنا تلقف البيان بكل حبور وسرور ويكاد يرسل طرودا تحمل قبلات حارة لتنظيم القاعدة الذى أتاح لهم هذه الفرصة لتصفية حسابات مضحكة مع خصومهم فى مصر.
كثيرون اعتبروا البيان المنسوب للقاعدة ورقة مهمة تصلح للاستخدام محليا خصوصا فيما يتعلق بمعركة الانتخابات البرلمانية المقبلة، وعليه وجد المفكر الكبير الدكتور محمد سليم العوا نفسه مطلوبا على لائحة المتهمين بتفجير كنيسة النجاة ببغداد، ونقلوه فجأة من خانة المثقف أو المفكر الذى يمكن الاختلاف معه وعليه إلى خانة المحرض على الإرهاب.
وبقدرة قادر تحولت معركة فكرية خاضها العوا لما اعتبر اجتراء على القرآن الكريم، إلى تحريض على عمل إرهابى جبان بالعراق.
إن أحدا لم يقدم للحوار الإسلامى المسيحى ما قدمه الدكتور العوا، الذى لم يتحدث يوما عن مسيحيى مصر إلا باعتبارهم شركاء فى هذا الوطن، بل إنه فى رده على ما أتى به الأنبا بيشوى رفض قياس العلاقة بين مسلمى مصر ومسيحييها على ما هو كائن فى لبنان، مفضلا استخدام مصطلح «العيش الواحد» على مصطلح «العيش المشترك» فى لبنان.
غير أن البعض للأسف لا يريد أن يفوت الفرصة لكى يوجه ضربة خاطفة للدكتور العوا «المقفول عليه» بالمصطلح الدارج فى هذه المرحلة، بعد أن قرروا فجأة أن اللقاء الفكرى الذى يعقده فى مسجد النور خطر على الوحدة الوطنية، الأمر الذى جعله يرحل بندوته إلى مسجد رابعة العدوية بدءا من غد السبت، ومن ثم تحركوا للزج باسمه فى العملية الإرهابية بالعراق، كنوع من الضربات الاستباقية تمهيدا لمنع ندوته.
وإذا كان ما سبق مفهوما ومتوقعا من قائليه، فإن ما لا يمكن فهمه أو هضمه أن يخرج علينا وزير الأوقاف بتصريحات يذهب فيها إلى أن مظاهرات كاميليا سبب هجوم تنظيم القاعدة على الكنيسة بالعراق وتهديد الكنيسة المصرية.
وأزعم أن هذه القراءة للحادث يمكن تصنيفها باعتبارها «قراءة استثمارية» للجريمة، وأى محاولة لوضعها على ميزان العقل والتحليل الدقيق ستجعلها شيئا أقرب إلى الكوميديا السياسية.
ولا يبعد عن ذلك حالة «النفخ الإعلامى» فى موضوع الطرود المفخخة، فالمطلوب إشاعة مناخ من الخوف والفزع، بما لا يجعل صوتا يعلو فوق صوت الأمن.. حمى الله مصر من «الطرود» والكتابات المفخخة.