قبل نحو 700 سنة، وصل ابن بطوطة إلى مملكة إسلامية شاسعة (باللون الأخضر على الخريطة) تمتد من بلاد البلغار عند أعالى نهر الفولجا وحتى شرق أوروبا، تسمى «القبيلة الذهبية».
فى تلك الأثناء لم تكن روسيا على مساحتها الحالية، بل كانت فى محيط أوروبا الشرقية فقط، ولن تتوسع على حساب هذه الممالك الإسلامية التترية إلا بعد قرنين من الزمن (منتصف القرن 16).
جاء ابن بطوطة إلى مشارف سيبيريا منطلقا فى رحلة خاصة برعاية ملكية من شبه جزيرة القرم نحو نهر الفولجا فى عهد السلطان المعظم أوزبك خان (1313-1341 م).
أراد ابن بطوطة زيارة المنطقة القطبية إلى الشمال من بلاد البلغار، وكانت هذه المناطق الجليدية تسمى «أرض الظلمة» فى دلالة على قصر النهار وطول الليل فى معظم شهور السنة.
وسأترك لكم النص فى السطور التالية، وقد وضعت مع البوست صورة حديثة وخريطة مبسطة لمتابعة ما يتحدث عنه ابن بطوطة:
️وكُنْتُ أردت الدخول إلى أرض الظلمة، والدخول إليها من بلغار وبينهما أربعون يومًا، ثم أَضْرَبْتُ عن ذلك لعظم المؤنة فيه وقلة الجدوى، والسفر إليها لا يكون إلا فى عجلات صغار تَجُرُّها كلاب كبار.
️وهذه الأرض مفازة من الجليد، فلا يَثْبُت قدم الآدمى ولا حافر الدابة فيها، ولا ينفع فيها إلا الكلاب لها الأظفار فتثبت أقدامها فى الجليد، ولا يدخلها إلا الأقوياء من التجار الذين يكون لأحدهم مائة عجلة أو نحوها موفرة بطعامه وشرابه وحطبه.
️وليس فى هذه المفازة من الجليد شجر ولا حجر ولا مدر، والدليل بتلك الأرض هو الكلب الذى قد سار فيها مرارًا كثيرة، وتنتهى قيمته إلى ألف دينار ونحوها، وتربط العربة إلى عنقه ويقرن معه ثلاثة من الكلاب ويكون هو المقدم وتتبعه سائر الكلاب بالعربات، فإذا وَقَفَ وقفَتْ.
️ وهذا الكلب لا يضربه صاحبه ولا ينهره، وإذا حضر الطعام أطعم الكلاب أولًا قبل بنى آدم، وإلا غَضِبَ الكلب وفَرَّ وتَرَكَ صاحبه للتلف، فإذا كملت للمسافرين بهذه الفلاة أربعون مرحلة نزلوا عند الظلمة وترك كل واحد منهم ما جاء به من المتاع هنالك وعادوا إلى منزلهم المعتاد.
️فإذا كان من الغد عادوا لِتَفَقُّد متاعهم فيجدون بإزائه من السمور والسنجاب والقاقم، فإن أرضى صاحب المتاع ما وجده إزاء متاعه أَخَذَهُ، وإن لم يُرْضِه تَرَكَهُ فيزيدونه، وربما رفض أهل الظلمة البيع وتركوا متاع التجار، وهكذا بيعهم وشراؤهم، ولا يَعْلَم الذين يتوجهون إلى هنالك مَنْ يبايعهم ويشاريهم أَمِن الجن هو أم من الأنس، ولا يرون أحدًا.
️والقاقم هو أحسن أنواع الفراء، وتساوى الفروة منه ببلاد الهند ألف دينار وصرفها من ذهبنا مائتان وخمسون، وهى شديدة البياض من جلد حيوان صغير فى طول الشبر وذنبه طويل يتركونه فى الفروة على حاله.
️والسمور دون ذلك، تساوى الفروة منه أربعمائة دينار فما دونها، ومن خاصية هذه الجلود أنه لا يدخلها القمل، وأمراء الصين وكبارها يجعلون منه الجلد الواحد متصلًا بفرواتهم عند العنق، وكذلك تجار فارس والعراقيين.
️وعُدْتُ من مدينة بلغار مع الأمير الذى بعثه السلطان المعظم أوزبك فى صحبتى وكان ذلك فى الثامن والعشرين من رمضان، وحَضَرْتُ معه صلاة العيد وصادف يوم العيد يوم الجمعة.
ويجدر بنا هنا أن نتذكر أن ابن بطوطة قد جاء إلى تخوم سيبيريا وبلاد البلغار فى وقت لاحق على وصول الإسلام إليها منذ زمن أحمد بن فضلان فى القرن العاشر الميلادى.
فلقد وصلت التجارة الإسلامية إلى هذه المناطق، بل وقامت ممالك إسلامية عند حدود سيبيريا وبلغت طرق التجارة مشارف القطب الشمالى.
فى هذه المناطق القطبية يحدث أن تظل الشمس فى الأفق 24 ساعة كاملة من دون ليل فى موسم الصيف، ويحدث أن تغيب الشمس تماما فيكون اليوم بأكمله ليلا كاملا فى موسم الشتاء.
قبل نحو 7 قرون، وصل الرحالة العربى العالمى ابن بطوطة إلى مملكة إسلامية فى نهر الفولجا التى يعيش فيها شعب البلغار (أسقطت روسيا هذه المملكة لاحقا بعد معارك ملحمية فى مطلع القرن السادس عشر).
كان المسلمون فى هذه المنطقة يصومون رمضان فى هذا الصيف الذى له نهار طويل يتجاوز 20 ساعة ويصل إلى 22 ساعة فى بعض السنوات.
ولأننا فى شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية لا نعرف هذه الأجواء ولم نخبر جغرافيتها وتاريخها وشعوبها، فقد أخذنا كلام ابن بطوطة على سبيل الغرائب والعجائب التى لا يصدقها عقل، ولا سيما فى الفقرة التى يقول فيها:
«وصلت إلى بلغار فى رمضان، فلما صلينا المغرب أفطرنا، وأذن بالعشاء أثناء إفطارنا فصليناها، وصلينا التراويح والشفع والوتر، وطلع الفجر إثر ذلك».
مع انتشار العلم الحديث وانتشار الأفلام التسجيلية على يوتيوب عن جغرافية القطب الشمالى والمناطق شبه القطبية صار كلام ابن بطوطة من المعلومات البديهية حيث لا يوجد فاصل فى بعض الأيام بين المغرب والفجر إلا ساعة أو نحوها.