ما يجرى فى مصر الآن يؤكد صحة ما ذهبت إليه صحيفة الإندبندنت البريطانية قبل أسابيع وهو أن المجلس العسكرى ضحى بمبارك الاسم لكى يحافظ على مبارك النظام.
نظرة سريعة على المشهد الراهن تكشف بجلاء أنهم نجحوا فى كسر الثورة المصرية، ونزع مخالبها، بعد تنفيذ سيناريو جهنمى فى التعامل معها منذ العاشر من فبراير الماضى ــ قبل استبعاد المخلوع بيوم ــ حيث بدأت الخطة بالتودد والاقتراب من الثورة تمهيدا لادعاء حمايتها والشراكة فيها فيما بعد.. ثم جاءت مرحلة الاحتواء والترويض من خلال ترديد عبارات الإعجاب والغزل فى الثورة ومن صنعوها والاعتراف بفضلها على الجميع.. ثم جاءت مرحلة الاستدراج عن طريق اصطياد بعض الفصائل بعينها وإسباغ نوع من الرعاية والأفضلية عليها، واستخدامها فى تمرير إجراءات كانت بمثابة نخر مبكر فى عظام الكتلة الثورية ــ استفتاء 19 مارس نموذجا ــ وبعدها جاءت مرحلة الحفر الطولى العميق فى تربة الثورة لتنشق إلى قسمين، الأول قابض على الجمر ومصمم على استكمال ما بدأه الجميع، وقسم استسلم للإغراء والغواية ورضى بدور حليف السلطة القائمة وصديقها، اعتقادا منه بأنه سيحل مكانها عندما تقرر الابتعاد عن الساحة.
وبعدها بدأت مرحلة من التربص بالثورة وتشويه صورتها وخدش معانيها فى وجدان الجماهير من خلال سياسات متعمدة استهدفت محو أية ملامح للمطالب التى نادت بها الثورة، فإذا كانت الثورة قد طالبت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فقد جرى افتعال مجموعة من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، بدأت بالدقيق والخبز ومرت بالبنزين والبوتاجاز، مع تغطية إعلامية شريرة تربط الأمر باستمرار المظاهرات والاعتصامات الثورية، وصولا إلى أن الثورة لم تأت بالعيش والعدالة الاجتماعية بل جاءت بالجوع وأبقت على اتساع الفجوة الرهيبة بين طبقات المجتمع.
والأمر ذاته حدث فيما يخص الحرية إذ جرى تجويع المواطنين أمنيا وأحيطوا بحزام مرعب من جرائم القتل والخطف والاغتصاب، وفقا لسيناريو انفلات أمنى موضوع بدقة متناهية، بما لم يترك مجالا لأحد لكى يفكر فى موضوع الحريات، وبمعنى آخر نجحوا فى أن يجعلوا قيمة الحرية ــ أثمن وأعظم ما يريده الإنسان ــ نوعا من الرفاهية أو «كلام مثقفين».
ووسط هذا المناخ المفزع يظهر المجلس العسكرى بدور الحارس والحامى و«عمود الخيمة الأخير» ومن ثم تصبح مناقشته نوعا من التجديف، ومعارضته نوعا من الخيانة الوطنية، والمطالبة بعودته إلى ثكناته وتسليم السلطة أقرب إلى الزندقة والكفر.
وبعد كل ذلك نعيش المرحلة الأخطر وهى الانقلاب الكامل على الثورة، وافتراس من بقى متمسكا بها، بإعمال سلاح «الابتذال» فلكى يلوثوا نقاء ميادين التحرير صنعوا ميادين موازية، بحيث يصبح الأشرار فى التحرير، بينما «المواطنون الشرفاء» فى العباسية.. تماما كما كان يفعل نظام مبارك، خونة وأجندات فى التحرير، ووطنيون فى مصطفى محمود.. وهى المعادلة التى أنتجت موقعة الجمل، وبالمعيار ذاته لن يتورعوا أن يرتكبوا موقعة جمل أخرى تنطلق من العباسية.
wquandil@shorouknews.com