عن التعويم ومعدل التبادل الدولى! - محمد يوسف - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 4:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن التعويم ومعدل التبادل الدولى!

نشر فى : الإثنين 5 ديسمبر 2016 - 10:50 م | آخر تحديث : الإثنين 5 ديسمبر 2016 - 10:50 م
أثارت اجراءات تحرير سعر الصرف للجنيه عاصفة من الجدل بين مؤيدى تلك السياسة وبين معارضيها، ولكل حججه ودفوعه التى يبديها ليثبت صحة رؤيته الاقتصادية. ولم ينشب ذلك الجدل بين المتخصصين فقط، ولكنه ازداد ضراوة بين غيرهم من غير المتخصصين.

ولئن كان العديد من الاقتصاديين، وأنا من بينهم، يعتقدون بخطأ تلك السياسة، وأنه كان من الأولى الدفاع عن الجنيه، بوسائل مختلفة، لا مجال لإعادة ذكرها، فإن هناك البعض الآخر يعتقد بجدوى تلك السياسة، ويقدمون التبريرات النظرية التى تدعم ذلك الاعتقاد.

على الرغم من تسليم المؤيدين بأن تلك السياسة ستزيد من الأعباء الملقاة على كاهل الفقراء، إلا أنهم يرون أن ذلك ليس إلا ثمنا زهيدا علينا أن نتقبل دفعه راضين. إذ إن تحرير قيمة العملة، فى رأيهم، سيساهم فى زيادة الصادرات الوطنية بنفس قيمة الانخفاض فى العملة الناتج عن التعويم. فهم يعتقدون أن الصادرات السياحية وتحويلات العاملين بالخارج وعوائد قناة السويس والاستثمارات الأجنبية المباشرة ستستجيب بالزيادة لذلك التعويم، ويرتفع، من ثم، عرض الدولار فى الاقتصاد، وتتلاشى ــ مع الوقت ــ الآثار السلبية التى يجادل بها معارضو التعويم!

وأيا كان الأمر، وبعد أن هدأ غبار تلك العاصفة الجدلية، فإنه يحق للمرء أن يقيم التبريرات التى أقام عليها المؤيدون دفاعهم، فى ضوء المنطق الاقتصادى القويم، وفى ضوء التجربة الدولية للتعويم، وهو ما نتناوله فى النقاط الثلاث التالية:

الأولى: هى أن الطلب على الصادرات المصرية لا يتحدد فقط بأسعارها مقومة بالدولار الأمريكى، فهناك محددات أخرى بخلاف أسعار الصادرات. فجودة تلك الصادرات، وأحوال الاستقرار الاقتصادى والسياسى، وحالة المنافسة الدولية فى أسواق التصدير، ومعدلات النمو الاقتصادى العالمى وتوقعاتها المستقبلية، وهى عوامل لا تقل أهمية، إن لم تكن تزيد، عن الأثر السعرى للطلب على الصادرات المصرية.

الثانية: هى أن التجربة الدولية، وخصوصا تجارب دول أمريكا اللاتينية، لا تقدم دليلا عمليا على جدوى التعويم. خذ هنا مثلا تجربة البرازيل، فعندما لجأت لذلك الإجراء السلبى، وتركت الريال البرازيلى يتحدد وفق قوى العرض والطلب فى العام 1999، صاحب ذلك موجة من التضخم شبه الجامح لم يوقفها إلا سياسة اقتصادية رشدت الانفاق العام، وقيدت الاستيراد الترفى والكمالى، ونمت الإيرادات العامة من مصادر مباشرة وحقيقية (بالإضافة لمكافحتها التهرب الضريبى)، ودعمت تدفق الاستثمار الأجنبى الناقل للتكنولوجيا، فضلا عن دعمها لقطاع السياحة (سياحة المهرجانات) وللصادرات مرتفعة القيمة المضافة المحلية. وكل ذلك يؤكد، بما لا يدع مجالا للمناقشة، على القصور الذاتى للتعويم فى مواجهة المشكلات الاقتصادية.

الثالثة: هى أن تعويم العملة وما يتمخض عنه من خفض كبير فى قيمة العملة الوطنية، يؤثر مباشرة على معدل التبادل الدولى للاقتصاد المصرى terms of trade. ولما كان معدل التبادل الدولى (نسبة أسعار الصادرات إلى أسعار الواردات) يرتبط طرديا بمقدار الرفاهية الاقتصادية المحققة وفقا لما تقول به النظرية الاقتصادية، فإن تخفيض قيمة العملة الوطنية، والحال كذلك، يقلل من معدل التبادل الدولى لمصر، ويزيد من الخسائر القدرية الناتجة عن الدخول فى أنشطة التجارة الدولية، تصديرا واستيرادا.

ويحق لنا أن نتساءل، فى ضوء ما ذكرناه، إلى أى حد يمكن أن يترك الجنيه المصرى للانخفاض، وإلى أى مدى يمكن أن تترك كل من السياسة النقدية والسياسة التجارية معدل التبادل الدولى لهذا الانخفاض التاريخى. لأنه من قبيل العبث أن نتصور أن ذلك التعويم بمقدوره منفردا أن يواجه مشكلات الاقتصاد المصرى الراهنة، فإذا شك أحد فى هذا الرأى، فليدلنا على مثال دولى واحد يؤيد رأيه!
محمد يوسف باحث رئيسي في مركز تريندز للبحوث والاستشارات بدولة الإمارات
التعليقات