أصابت زيارة وفد من خمسة أشخاص يمثلون جماعة الإخوان المسلمين وحلفاء لها للعاصمة الأمريكية الأسبوع الماضى أطراف عدة، سواء كانت وزارة الخارجية الأمريكية أو الحكومة المصرية أو جماعة الاخوان المسلمين، بحالة عدم توازن وهستيريا لا مبرر لها. وساعدت بعض العوامل على إضافة لمسات هوليوودية للزيارة لتخرج وكأنها تنافس زيارة الرئيس السادات للقدس فى الأهمية. تم تضخيم الزيارة من جانب بعض الصحفيين المأجورين فى واشنطن. كذلك تم تضخيم الزيارة من الإعلام المصرى لخدمة أهداف متنوعة بدءا من هجوم معتاد على أداء وزارة الخارجية المصرية والسفارة فى واشنطن من أعداء محليين، وصولا لفتح وصلة ردح إعلامى ضد أوباما لعدائه للمصريين وتطلعاتهم، وانتهاء باستخدام النظام المصرى هذه الزيارة للتأكيد على تآمر جماعة الإخوان مع القوى العظمى لإضعاف السلطة القائمة فى مصر. من ناحيتها كان لتوظيف جماعة الإخوان المسلمين للزيارة وكأنها انتصار دبلوماسى ساحق أثره الكبير فى إضفاء المزيد من الدراما على الزيارة ونتائجها.
•••
ارتبكت وزارة الخارجية الأمريكية وكذبت فى البداية مدعية أن الزيارة جاءت بدعوة من جامعة جورجتاون، كما اعتبرت أن الوفد لا يمثل جماعة الإخوان المسلمين. ولم تذكر الخارجية الأمريكية أيضا أن لقاء الوفد الإخوانى حضره مسئول بارز من البيت الأبيض. ولا يعرف الهدف الحقيقى من لقاء الإدارة الأمريكية بممثلى الجماعة إلا فى إطاره الأكبر من حالة الارتباك العام فى التعامل مع مصر منذ أحداث الثلاثين من يونيه، والذى يفتقد لبوصلة واضحة أصبحت معها سياسات واشنطن تتعلق بردود الأفعال وغياب المبادرة. قد تكون ورقة ضغط على النظام المصرى من أجل ترتيبات إقليمية أو ما يتعلق بسيناء وتأمين إسرائيل، وما يجرى من إخلاء رفح والمناطق الحدودية. وقد تكون تعبيرا عن قلق أمريكى من زيادة وتيرة العنف فى مصر، ورغبة فى الاستماع لآراء مختلفة من ممثلى قوة كبيرة بحجم جماعة الإخوان المسلمين. وطبعا لا يمكن أن ننسى أن هناك غضبا أمريكيا بسبب ما تراه واشنطن من عدم رد السيسى للجميل الذى منحه أوباما بعقد لقاء معه فى مدينة نيويورك، فقد اعتقدت الإدارة الأمريكية أن السيسى سيعدل قانون التظاهر أو يمد يد المصالحة للإخوان أو يفرج عن المعتقلين السياسيين. كما أنه يمكن النظر للزيارة فى إطار إقليمى أكبر يتعد الأزمة السياسية المصرية، فالإخوان المسلمون وحلفاؤهم يعدون لاعبا مهما فى معادلات اليمن وليبيا والحرب ضد تنظيم الدولة فى سوريا والعراق.
•••
جماعة الاخوان من جانبها تحاول التعلق بأى قشرة تمنح قواعدها الجماهيرية إيمانا بإمكانية تغيير الأوضاع الحالية. وجاء احتفاء بعض أعضاء الوفد الزائر بصورهم داخل وزارة الخارجية وكأنها انتصار كبير، ونشرها بطريقة صبيانية لتدل على حجم الأزمة واليأس داخل جماعة الإخوان رغم ما يراه البعض صمودا وقوة عن طريق التظاهر والاحتجاج لما يقرب من عام ونصف العام بلا توقف.
ومنحت الزيارة فرصة لإلقاء الضوء على علاقة تشكل نمطا غريبا بين تنظيم (هو الأقدم والأهم فى العالم الإسلامى)، كان من ناحية تنظيما غير شرعى حتى أربعة أعوام مضت، ثم أصبح شرعيا عقب ثورة 25 يناير 2011، ثم وصل لقمة السلطة بالفوز بانتخابات برلمانية ورئاسية حرة، قبل أن يصنف إرهابيا من قبل الدولة المصرية فى ديسمبر 2013، وبين الدولة الأقوى فى عالم اليوم وهى الولايات المتحدة من ناحية أخرى.
تعتقد جماعة الإخوان أن الجيش المصرى حصل على ضوء أخضر من واشنطن للانقلاب على الرئيس مرسى. نعم لم يصنف أوباما ما جرى على أنه انقلاب عسكرى، إلا أنه تعامل معه كأنه انقلاب من حيث إيقاف المساعدات لمصر. ثم دفعت واقعية أوباما للتعامل مع الواقع الجديد فى مصر. ويزيد من ارتباك جماعة الإخوان أمريكيا استمرار إيمانها بدور أمريكى يمكن أن يغير من توازنات ومعادلات العملية السياسية فيدل على عدم معرفة بواشنطن ولا طريق صنع القرارات الأمريكية.
•••
الحكومة المصرية كما هو متوقع أساءت من جانبها التعامل مع الزيارة. فطريقة الانزعاج الذى أبدته الخارجية المصرية على لسان الوزير أو المتحدث الرسمى يدل على الرغبة فقط فى إرضاء مؤسسة الرئاسة المصرية. البيانات المصرية شديدة اللهجة تضمنت إنذارا للخارجية الامريكية، ويرفض المبررات الأمريكية التى ساقتها لتبرير اللقاء. ودفع رد الفعل الحكومى وما صاحبه من حالة هيجان إعلامى جماعة الإخوان لتسجيل انتصار وهمى. كما تعتقد واشنطن أن السلطات المصرية «ذهبت بعيدا» فى حملتها ضد الإخوان ومؤيديهم. وفى حين صنفت واشنطن جماعة أنصار بيت المقدس منظمة إرهابية، ذكر لى مسئول فى وزارة الخارجية أن جماعة الإخوان المسلمين لا تشكل خطرا على واشنطن، لافتا إلى أن بلاده لم تتسلم حتى الآن أى إشعار أو طلب لوضع «الإخوان المسلمين»، أو غيرها من التنظيمات، على اللائحة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية. وتؤمن واشنطن حتى الآن بأن وضع جماعة الإخوان فى نفس موضع جماعة أنصار بيت المقدس أو جماعة أجناد مصر من شأنه التأثير السلبى وإضعاف «الحرب على الإرهاب» داخل وخارج مصر.
•••
تعتقد معظم الدوائر الأمريكية المهمة أن السعى لإقصاء جماعة بقوة وتاريخ وشعبية الإخوان المسلمين من المشهد السياسى المصرى، هو درب خيال. ويقلق واشنطن ما تشهده مصر من إراقة دماء بصورة روتينية مخافة أن يمهد لحالة ثابتة من «عدم الاستقرار» وهو يناقض هدفها الأساسى فى وجود مصر مستقرة تقوم بدور إقليمى يخدم مصالح واشنطن العليا. وفى ظل الوضع السياسى فى مصر الذى يتمتع بغياب اليقين، أصبحت سياسات واشنطن تتعلق بردود الأفعال وغياب المبادرة فى ظل انكشاف ضعف تأثيرها فى الداخل المصرى على العكس مما يؤمن به الجيش المصرى وجماعة الإخوان المسلمين.