الحوار الوطني.. ما الذي يمكن توقعه؟ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:23 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحوار الوطني.. ما الذي يمكن توقعه؟

نشر فى : السبت 6 مايو 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : السبت 6 مايو 2023 - 8:45 م
بعد انتظار طويل استغرق عاما كاملا، بدأت أخيرا جلسات الحوار الوطنى، وهو أول حوار سياسى/اقتصادى/اجتماعى شامل تشهده مصر منذ أن تعطلت عجلة السياسة قبل نحو عشر سنوات. خلال هذه السنوات العجاف سياسيا، شهدت مصر مجموعة من الاستفتاءات والانتخابات لكنها لم ترتقِ من حيث درجة المنافسة والتعددية لما كان يأمله الكثير ممن يؤمنون بالديموقراطية والحرية.
ورغم أن بعض الحوارات قد جرت مسبقا، لكنها كانت جميعا محدودة سواء من حيث عمق النقاشات أو طبيعة الأطراف المشاركة، مما يجعلنا بالفعل أمام حدث مختلف على الأقل من حيث المظهر، لكن يبقى الجوهر هو الأهم! وجوهر الحوار الوطنى هذه المرة هو طبيعة وحدود النتائج التى قد تنتج عنه وبالتالى تحدد شكل السياسة المصرية ومستقبلها القريب!
• • •
هناك الكثير من المحاور والموضوعات المطروحة للمناقشة فى هذا الحوار! ما أخشاه، أن كثرة الموضوعات صحيح قد تعنى ثراء النقاش، ولكن قد تؤدى إلى تسطيحه وتحويله إلى مكلمة أو حلبة لتسجيل المواقف والنقاط السياسية دون أن ينعكس ذلك بالضرورة إلى سياسات تطبق على الأرض!
لكن، ومع اعترافى بأهمية كل المحاور والموضوعات الفرعية المطروحة، ففى تقديرى هناك ست نقاط رئيسية ستحدد مدى نجاح الحوار فى تحقيق أهدافه، والتى أدعى أن واحدا من هذه الأهداف هو إحداث إصلاحات سياسية حقيقية فى مصر تتخطى وضع المكياج لتجميل الأوضاع!
النقطة الأولى، تتعلق بمصدر شرعية الحوار نفسه، وأقصد بذلك، أن تكون مرجعية الحوار هى مرجعية شعبية لا مرجعية نخبوية. بعبارة أخرى، أن تتعامل السلطة والمعارضة والأشخاص المستقلون وكل المشاركين والمُشارِكات فى الحوار على أن الأخير ليس منحة من السلطة، ولكنه حق للشعب! فمن حق كل المصريات والمصريين الملتزمين بدستور الدولة وقوانينها والراغبين فى تحقيق التغيير السلمى بعد سنوات طويلة من غياب السياسة، أن يكون لهم صوت مسموع فى بلادهم، يعبرون عنه بحرية وباستقلالية وأظن أن هذا هو بيت القصيد حتى بغض النظر عن النتائج أو الوقت اللازم لتحويل النقاشات إلى سياسات قابلة للتنفيذ!
النقطة الثانية، تتعلق بجدية النقاشات الدائرة فى لجان الحوار الوطنى، ورغم أن هذا أمر قد يبدو بديهيا ومفروغا منه، إلا أن بعض الخبرات السابقة فى حوارات مماثلة تمت على نطاق أضيق، قد أظهرت أن البعض لا يكون جادا فى طرح المواضيع، وأن التركيز كان فى بعض الأحيان على إخراج المشهد وصورته بعيدا عن المحتوى، وهذا هو المطلوب تغييره هذه المرة!
بينما تتمثل النقطة الثالثة فى صياغة نتائج الحوار، والمقصود أن يتم صياغة نتائج كل محور فى شكل ورقة سياسات لا ورقة توصيات! أوراق التوصيات قد تُترك للمنابر الأكاديمية والبحثية، بينما فى منبر سياسى كهذا، وعلى هذه الدرجة من الأهمية السياسية رفيعة المستوى والتى سحضرها رئيس الجمهورية بنفسه، فإن التوصيات هى من قبيل إضاعة الوقت والجهد ومن ثم إهدار الموارد! مطلوب صياغات سياسية قابلة للتنفيذ ومحددة بمرفقات زمنية للتنفيذ مع تكليفات لجهات بعينها من أجل هذا التنفيذ، محددة للموارد التى تتطلبها كل سياسة من أجل أن تطبق على أرض الواقع!
أما النقطة الرابعة فمتعلقة بمدى التزام السلطة بالتنفيذ، حتى لو كانت بعض السياسات المصاغة تتعارض مع بعض سياساتها أو توجهاتها! وهذه نقطة مفصلية فى أى حوار سياسى وطنى، فبدون إرادة سياسية للتنفيذ وتجاوز الخلافات والاستعداد لإعادة ترتيب الأولويات، فإن الحوار الوطنى سيكون مجرد فرصة مهدرة، لأن الحقيقة هو أنه وفى هذه اللحظة تحديدا، فإن الجهة الوحيدة القادرة على تحقيق إصلاحات سياسية سلمية وآمنة هى الإدارة السياسية الحاكمة، صحيح تظل هناك مسئولية مشتركة على عاتق كل المشاركين والمشارِكات فيما يتعلق بإنجاح عملية التنفيذ، لكن الواقع أن قواعد اللعبة السياسية معظمها فى يد إدارة الرئيس وسلطته السياسية.
أما النقطة الخامسة فمرتبطة بسابقتها، فأتصور أنه بعد انتهاء الحوار وصياغة نتائجه فى شكل سياسات فلابد أن تكون هناك لجنة منبثقة عنه معنية بالمتابعة والتواصل السياسى بين السلطة وكل الأطراف المشاركة فى الحوار من أحزاب وشخصيات عامة وسياسية ومنظمات مجتمع مدنى للتأكد من تطبيق السياسات فى مواعيدها وإزالة أى عقبات أمام عملية التنفيذ وتذكير كل الأطراف بمسئولياتهم الوطنية فى تطبيق هذه السياسات!
أما النقطة السادسة والأخيرة فهى نقطة الأمان الشخصى والوظيفى لكل المشاركين والمشارِكات مهما كانت آراؤهم ودرجة اتفاقهم أو اختلافهم مع السلطة، الأمان مهم لأنه وبدونه لا يمكن لأحد أن يعبر عن رأيه بحرية، والأهم أنه وبدون أمان شخصى ووظيفى لكل من يشارك فإنه سيصعب كثيرا بناء ثقة مستقبلية بين المعارضة والسلطة فى مصر!
• • •
نحن أمام احتمالات كثيرة فيما يتعلق بنتائج هذا الحوار بعضها متشائم، بعضها متواضع، وثالثها لا بأس به، ورابعها متفائل!
الاحتمال الأكثر تشاؤما هو ألا يؤدى الحوار إلى تغييرات حقيقية فى شكل وبناء النظام السياسى المصرى! ورغم أن هذا بالفعل سيكون احتمالا محبطا للكثير من الأطراف المشاركة فى الحوار، إلا أن تقديرى هو أن الاستماع إلى الشخصيات المستقلة والمعارضة ورأيهم فى المشهد المصرى وفى حوار مباشر مع السلطة هو فى حد ذاته مكسب للحركة المدنية المصرية التى كثيرا ما حرمت من التعبير عن رأيها فى منابر سياسية مصرية بشكل آمن!
أما الاحتمال الأكثر تواضعا، فهو أن يؤدى الحوار بنهايته إلى الإفراج عن بعض المحبوسين فى قضايا رأى وفكر وغيرها من القضايا السياسية مع إنهاء مشكلة الحبس الاحتياطى واحترام القوانين فيما يتعلق بمدد هذا الحبس وظروفه!. صحيح هى نتيجة متواضعة لكنها تظل هامة، فهناك آلاف الأسر التى لم يتورط أبناؤها فى أعمال عنف وإرهاب تتوق للحظة التى سيخرج فيها أبناؤهم للحياة مرة أخرى ليعفوهم من أعباء مادية ومعنوية أتصور أنها وصلت لمداها وحان الوقت لإنهاء هذه المعاناة!
أما الاحتمال الذى يمكن وصفه بأنه «لا بأس به» لهذا الحوار، يتمثل فى أن ينتج عنه اتفاق ضمنى غير معلن يتجاوز مشهد الانتخابات القادمة بحيث لا تشهد قواعدها الكثير من التغيير وإن كان من تغييرات فستكون فى الشكل والإخراج لا فى النتائج، مقابل ألا تكون نتائج الحوار مقتصرة فقط على ملفات المحبوسين السياسيين والاحتياطيين ولكنها تتجاوز ذلك لتشمله وتضيف عليه التزام من السلطة بإدارة أكثر نزاهة للانتخابات البرلمانية القادمة وغيرها من الانتخابات النقابية مع الالتزام بإجراء انتخابات المحليات بحيث تشهد إدارة سياسية لا أمنية تؤدى إلى تعددية محدودة وقدر من المنافسة السياسية، والأهم أن تخضع خطة التنمية وما يتعلق بها من سياسات اقتصادية لإعادة رسم الأولويات بمشاركة فعالة فى عملية صنع القرار من دوائر خارج الدائرة الحالية لصنع القرارات الاقتصادية والتنموية!
أما الاحتمال شديد التفاؤل هو أن يؤدى الحوار إلى عملية إعادة هندسة كاملة لشكل وبناء النظام السياسى الحالى، يتطرق إلى قواعد إدارة الانتخابات القادمة مع ما قد يتطلبه ذلك من إعادة فتح ملفات هامة وحساسة مثل ملف التعديلات الدستورية وغيرها من ملفات إعادة صياغة قواعد النظام السياسى برمته!
بشكل شخصى، لا أعتقد أن الاحتمال الأخير ممكن لأسباب كثيرة قد يتعذر نشرها بسبب المساحة أو لعدم ملاءمة الظروف، لكن أتمنى فى كل الأحوال أن تتجنب مصر أى تغييرات عنيفة وأن يصل الجميع فى السلطة والمعارضة وغيرهم من الشخصيات المستقلة إلى اتفاق وقناعة مؤداها أن تغييرات فى محتوى السياسات تتجاوز عمليات التجميل هى ما تحتاجه مصر، الدولة والشعب، فى مرحلة حرجة تشهد ــ وستشهد ــ تغييرات عنيفة فى شكل النظام الدولى والإقليمى، وستكون كلفتها عالية لو لم يؤد الحوار إلى تغييرات فعلية ملموسة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية!
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر