هناك شخص واحد فى إمكانه أن يوقف ضم المستوطنات ومناطق واسعة من الضفة الغربية المخطط له فى الأول من يوليو، وهو محمود عباس، الجهد المطلوب من الرئيس الفلسطينى ليس كبيرا: عليه الاتصال، أو إرسال واتس أب أو رسالة إلكترونية إلى البيت الأبيض، وطلب اجتماع بالرئيس دونالد ترامب، يعلن خلاله موافقته على استئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل على أساس «خطة القرن». من شبه المؤكد أنه بعد مثل هذا الإعلان، سيطلب ترامب من نتنياهو وقف الضم والدخول فى مفاوضات على حل دائم تفصيلى، تقام فى نهايتها دولة فلسطين.
لكن عباس يكتفى بالإدانات المعتادة لإسرائيل والولايات المتحدة، وبالتهديدات الفارغة بشأن «وقف التنسيق الأمنى» فى الضفة، هو لا يُبدى أى إشارة أو تلميح أو استعداد للعودة إلى المفاوضات لقاء كبح الضم، موظفون إسرائيليون وأمريكيون يرسمون خريطة المنطقة فى الضفة، التى ستضم إلى إسرائيل من دون مشاركة أى فلسطينى فى النقاش، وهذا لا يهم عباس، فهو سيتعرف على الخريطة بعد توقيعها ونشرها، بدلا من أن يطلب مراعاة [المواقف الفلسطينية] مسبقا.
لحظة؛ لحظة سيقول المنتقدون عن أى شىء تتحدث؟ لنبدأ بانتقادات من اليسار ترى موافقة فلسطينية على أى نقاش لخطة القرن، وحتى فقط صورة عباس مع ترامب أو نتنياهو، هى بمثابة إذلال قومى رهيب، سيقولون إن الخطة تخدم مصلحة إسرائيل وبصعوبة تترك فتاتا للفلسطينيين، ويبررون باسم الكرامة لامبالاة رام الله ورفضها. إذن، ما هو وضع الفلسطينيين حاليا بينما المجتمع الدولى مشغول بالكورونا، وبالأزمة الاقتصادية، وبالمواجهة بين أمريكا والصين؟ نسوهم تحت الاحتلال الإسرائيلى وانتقلوا إلى شىء آخر.
للتذكير: منظمة التحرير برئاسة عرفات وعباس رفضت لنفس التبريرات كل اقتراحات السلام السابقة، بتشجيع من يساريين إسرائيليين يحلمون باستبدال الصهيونية بدولة واحدة قائمة على المساواة بين نهر الأردن والبحر. لكن موازين القوى فى المنطقة لا تدفع قدما بهذا الحلم، بل تميل بوضوح إلى مصلحة إسرائيل ــ كما يدل عليه انكماش الأرض والصلاحيات السيادية التى اقترحتها خطط السلام الأمريكية على الفلسطينيين فى الـ 20 عاما الأخيرة. هل سيواصل الفلسطينيون عنادهم إلى أن يتبخر القليل الذى حصلوا عليه من المجتمع الدولى؟
ننتقل الآن إلى الانتقاد من جانب الوسط الذى بحسبه أن محادثات السلام أصلا لن تصل إلى شىء، لذا خسارة تضييع الوقت فى مناورات فارغة. ليس هناك شك فى أن الفجوات فى المواقف كبيرة جدا، والإصرار الدولى على فرض حل ضعيف جدا، والثقة بين الطرفين معدومة. لكن حتى فى هذه الظروف الصعبة هناك أهمية لعملية سياسية تحدد على الأقل الفوارق بين الليكود وأزرق أبيض، وتعيد الحديث الداخلى فى إسرائيل بشأن مستقبل المناطق والاحتلال فى غياب مفاوضات مع الفلسطينيين، الجدل السياسى فى إسرائيل يجرى فقط فى داخل اليمين، وبين رئيس الحكومة ومجلس يهودا والسامرة، وعلى مسألة ما هو الأفضل، البناء فى المستوطنات المعزولة، البناء بعد الضم صعودا نحو الأعلى، أو أيضا بشكل توسعى.
هذا لا يهم عباس، هو على ما يبدو يفضل أن يقوم نتنياهو بالضم، المهم بالنسبة إليه هو أن يتجنب اللقاء غير السار بينه وبين ترامب، لكنه يخطئ عندما يتوهم أن الضم سيضر بإسرائيل، وأن الأردن سيلغى اتفاق السلام، والعالم العربى سيتوحد مجددا من أجل الفلسطينيين، وأن جو بايدن سيلغى وعود ترامب، وغانتس سيحل محل نتنياهو. ربما هو متعب، ومع ذلك لديه وقت كافٍ قبل الأول من يوليو كى يغير رأيه ويوقف قطار الضم.
رئيس تحرير «هاآرتس»
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية