إيلان بابيه.. الصهيونية تنهار وفلسطين ستتحرر من الاستعمار - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 5 أكتوبر 2024 2:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إيلان بابيه.. الصهيونية تنهار وفلسطين ستتحرر من الاستعمار

نشر فى : السبت 6 يوليه 2024 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 6 يوليه 2024 - 9:30 م

 

«الصهونية تنهار»، و«فلسطين الحرة والمتحررة من الاستعمار» على قاب قوسين أو أدنى. هذا ما يراه المؤرخ الإسرائيلى إيلان بابيه من خلال قراءاته لستة مؤشرات يقول إنها «بداية نهاية المشروع الصهيونى» فى إسرائيل، داعيًا الشباب الفلسطينى لأن يكون جاهزًا لملء الفراغ حتى لا تسود فترة طويلة من الفوضى، كما حدث فى سوريا واليمن وليبيا.

يمكن تشبيه عملية «طوفان الأقصى»، فى 7 أكتوبر الماضى، بالزلزال الذى ضرب مبنى قديمًا كانت الشقوق قد بدأت تظهر فيه بالفعل. والسؤال الذى يطرح نفسه اليوم هو التالى: بعد أكثر من 120 عامًا على بدايته، هل يمكن للمشروع الصهيونى فى فلسطين أن يواجه احتمال الانهيار؟

فى العادة، تكمن المخاطر فى صعوبة اكتشاف مؤشرات انهيار الدولة فى وقت مبكر. لكن فى حالة إسرائيل، فأنا أزعم أن هذه الأمور أصبحت أكثر وضوحًا من أى وقت مضى. وفى ما يلى ستة مؤشرات على «بداية نهاية المشروع الصهيونى».

• • •

المؤشر الأول هو تصدّع المجتمع اليهودى الإسرائيلى وانقسامه إلى معسكرين متنافسين غير قادرين على إيجاد أرضية مشتركة. يمكن تسمية أحد المعسكرين المتنافسين فى إسرائيل اليوم بـ«دولة إسرائيل». يضم هذا المعسكر يهودًا أوروبيين (وأحفادهم)، الذين يعتبرون الأكثر علمانية وليبرالية ومعظمهم من الطبقة المتوسطة.

المعسكر الآخر هو «دولة يهودا»، التى تنمو وتتوسع بين مستوطنى الضفة الغربية المحتلة. يتمتع هذا المعسكر بدعم متزايد من الداخل، ويشكل القاعدة الانتخابية التى ضَمَنَتْ فوز بنيامين نتنياهو فى الانتخابات الأخيرة. ويتمتع أيضًا بنفود متزايد وبشكل كبير داخل المؤسسة العسكرية (الجيش وأجهزة الأمن). أنصار «دولة يهودا» يريدون أن تصبح إسرائيل دولة دينية تبسط سيطرتها على كامل أراضى فلسطين التاريخية.

كان خلافٌ عنيفٌ قد بدأ بين "المعسكرين" قبل السابع من أكتوبر 2023. وخلال الأسابيع القليلة الأولى التى تلت عملية «طوفان الأقصى» بدا المعسكران، وكأنهما يضعان خلافاتهما جانبًا من أجل «مواجهة عدو مشترك». لكن تبين أن ذلك كان مجرد وهم. فقد تجدّدت الخلافات بينهما وتفجرت فى الشارع، وأصبح من الصعب التكهن بما يمكنه أن يحقق المصالحة بينهما. النتيجة الأكثر احتمالًا تتكشف أمام أعيننا بالفعل. فمنذ أكتوبر، غادر البلاد أكثر من نصف مليون إسرائيلى وإسرائيلية من الذين يمثلون «دولة إسرائيل»، وهذا مؤشر على أن البلاد تجتاحها «دولة يهودا». وبرأيى أن العالم العربى، وربما العالم أجمع، لن يتسامح مع هكذا مشروع سياسى فى إسرائيل، على المدى الطويل.

•••

المؤشر الثانى هو الأزمة الاقتصادية فى إسرائيل. ولا يبدو أن الطبقة السياسية لديها أى خطة لتحقيق التوازن فى المالية العامَّة وسط الحروب المفتوحة على الحدود الجنوبية والشمالية والاعتماد الكامل والمتزايد على المساعدات المالية الأمريكية. ففى الربع الأخير من العام الماضى، تراجع الاقتصاد الإسرائيلى بنسبة 20% تقريبًا. ومنذ ذلك الحين، كان التعافى هشًا. ومن غير المرجح أن يساعد مبلغ الـ 14 مليار دولار؛ الذى تعهدت واشنطن بتقديمه؛ فى تحقيق التعافى الاقتصادى المنشود. وإذا ما أصرت إسرائيل على خوض حرب مفتوحة مع حزب الله فإن أعباءها الاقتصادية سوف تتفاقم.

هذه الأزمة الاقتصادية تتفاقم أيضًا، بسبب عدم كفاءة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذى يبدو أنه غير قادر على إدارة وزارته، ويصرّ على تخصيص المزيد من أموال الميزانية للمستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية. وفى الوقت نفسه، إن الصراع القائم بين «دولة إسرائيل» و«دولة يهودا»، إلى جانب الحرب على غزة جعلت بعض النُخب الاقتصادية والمالية ينقلون رءوس أموالهم إلى خارج الدولة.

• • •

المؤشر الثالث هو عزلة إسرائيل الدولية المتزايدة. فهى تتحول تدريجيًا إلى دولة منبوذة. بدأت هذه العزلة قبل 7 أكتوبر، لكنها تكثفت منذ بداية حرب الإبادة الجماعية التى تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة. ويتجلى ذلك فى المواقف غير المسبوقة التى اتخذتها محكمتا العدل والجنائية الدوليتان. ففى السابق، كان دعم معظم البلدان لإسرائيل ثابتًا -سياسيًا واقتصاديًا- فى حين كانت حركة التضامن العالمية مع فلسطين قادرة فقط على حشد الناس للمشاركة فى مبادرات المقاطعة، ولم تنجح يومًا فى تعزيز احتمال فرض عقوبات دولية على إسرائيل. لكن الوضع تغير اليوم.

وفى هذا السياق، لا بد من النظر إلى القرارات التى اتخذتها محكمتا العدل والجنائية الدوليتان على أنها محاولة للاستجابة لوجهات نظر المجتمع المدنى العالمى، وليست مجرد تعبير عن رأى نُخب معينة. صحيح أن قرارات المحكمتين لم تُخفّف من الهجمات الوحشية على سكان غزة والضفة الغربية، لكنها ساهمت فى تزايد موجة الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل من مختلف المستويات -الرسمية والشعبية- وبشكل متزايد.

•••

المؤشر الرابع هو التغير الكبير فى موقف جيل الشباب اليهود فى جميع أنحاء العالم. فخلال الأشهر التسعة الماضية يبدو أن كثرًا من الشباب اليهود حول العالم باتوا على استعداد للتخلى عن ارتباطهم بإسرائيل والصهيونية والمشاركة بنشاط فى حركة التضامن مع الشعب الفلسطينى. ذات يوم، كانت الجاليات اليهودية، فى الولايات المتحدة على وجه الخصوص؛ توفر لإسرائيل «حصانة فعَّالة» ضد الانتقادات. إن خسارة مثل هذا الدعم، أو على الأقل فقدانه جزئيًا، له آثار كبيرة على مكانة إسرائيل العالمية. صحيح أنه لا يزال بإمكان «إيباك» الاعتماد على الصهاينة المسيحيين من أجل تقديم المساعدة ودعم أعضائها، لكنها لن تكون نفس المنظمة القوية من دون قاعدة انتخابية يهودية كبيرة. إن قوة اللوبى تتآكل.

•••

المؤشر الخامس هو ضعف الجيش الإسرائيلى. ليس هناك شك فى أن هذا الجيش لا يزال قوةً جبَّارة ويمتلك أسلحة متطورة تحت تصرفه. لكن حدود هذه “القوة” انكشفت فى السابع من أكتوبر. فمنذ ذلك الحين، أظهرت إسرائيل أنها تعتمد بشكل يائس على تحالف إقليمى، بقيادة الولايات المتحدة. وهذا ما اتضح؛ وبشكل فاضح؛ عندما شنَّت إيران هجومها التحذيرى ضد إسرائيل، فى أبريل الماضى، وأطلقت نحو 170 طائرة حربية مسيَّرة وصواريخ باليستية وموجهة. اليوم، بات المشروع الصهيونى يعتمد، أكثر من أى وقت مضى، على الإمدادات العسكرية العاجلة من الجانب الأمريكى، وبكميات هائلة.

هناك الآن تصور واسع النطاق بين السكان اليهود فى إسرائيل بأن دولتهم عاجزة عن الدفاع عن نفسها. وقد أدَّى ذلك إلى ضغوط كبيرة من أجل إلغاء قانون إعفاء اليهود الأرثوذكس المتدينين (الحريديم) من الخدمة العسكرية والبدء فى تجنيدهم (إجباريًا) بالآلاف. صحيح أن هذا لن يُحدث فارقًا كبيرًا على أرض المعركة، لكنه يعكس حجم التشاؤم بشأن قدرات الجيش الذى ساهم بدوره فى تعميق الانقسامات السياسية داخل إسرائيل.

• • •

المؤشر السادس والأخير هو تجدد الطاقة بين جيل الشباب الفلسطينى. فهى أكثر اتحادًا وترابطًا عضويًا ووضوحًا بشأن آفاقها من النُخبة السياسية الفلسطينية. ونظرًا لأن فئة الشباب وصغار العمر الأكبر فى العالم موجودة فى قطاع غزة والضفة الغربية، فإن هذه المجموعة الجديدة سيكون لها تأثير هائل على مسار النضال من أجل التحرير. وتظهر المناقشات التى تدور بين مجموعات الشباب الفلسطينى أنهم منشغلون بإنشاء منظمة ديموقراطية حقيقية، منظمة تحرير جديدة، تسعى إلى تحقيق دولة مستقلة قابلة للحياة وفق رؤية تحررية تختلف كليًا عن تلك التى تتبناها السلطة الفلسطينية. وكما يبدو فإن الشباب الفلسطينى يفضلون حل الدولة الواحدة على نموذج الدولتين الفاقد لمصداقيته.

• • •

هل سيكون هؤلاء الشباب قادرين على ملء الفراغ الذى سيخلفه إنهيار المشروع الصهيونى؟ هذا سؤال تصعب الإجابة عنه. إن انهيار مشروع الدولة لا يتبعه دائمًا بديل أكثر إشراقًا. وقد رأينا؛ فى أماكن أخرى من الشرق الأوسط، مثل سوريا واليمن وليبيا؛ كيف يمكن أن تكون نتائج انهيار الدولة دموية وطويلة الأمد. فى حالة الدولة الصهيونية، ستكون المسألة مسألة إنهاء الاستعمار. وقد أظهر القرن الماضى أن حقائق ما بعد الاستعمار لا تعمل دائمًا على تحسين الوضع. إن قوة الشعب الفلسطينى وحدها هى القادرة على تحريك الأمر فى الاتجاه الصحيح. وأعتقد أنه عاجلًا أم آجلًا سوف يؤدى الاندماج المتفجر لهذه المؤشرات إلى تدمير المشروع الصهيونى فى فلسطين. وعندما يحدث ذلك، يجب أن نأمل فى أن تكون هناك حركة تحرر قوية جاهزة لملء الفراغ.

إن انهيار إسرائيل أصبح أمرًا متوقعًا. وينبغى أن يكون هذا الاحتمال هو من يتحكم بالنقاشات الخاصة بمستقبل المنطقة. كما يجب فرضه على جدول الأعمال عندما يدرك الناس أن المحاولة التى دامت قرنًا من الزمن، بقيادة بريطانيا ثم الولايات المتحدة، لفرض دولة يهودية على دولة عربية، تقترب من نهايتها. لقد نجحت المحاولة الأميركية البريطانية فى إنشاء مجتمع يضم ملايين المستوطنين، والعديد منهم الآن من الجيل الثانى والثالث. لكن وجودهم لا يزال يعتمد، كما كان الحال عندما وصلوا، على قدرتهم على فرض إرادتهم بالعنف على الملايين من السكان الأصليين، الذين لم يتخلوا قط عن نضالهم من أجل تحرير أرضهم وتقرير مصيرهم. وفى العقود المقبلة، سيكون لزاما على المستوطنين التخلى عن النهج الذى اتبعوه، وأن يظهروا استعدادهم للعيش كمواطنين متساوين فى فلسطين المحررة والمتحررة من الاستعمار.

 

موقع سايدكير

ترجم المقال موقع 180

النص الأصلي:

 

 

التعليقات