من أسف أن المجلس العسكرى وحكومة عصام شرف تعاملا مع قضية شهداء ومصابى الثورة باعتبارها ورقة إعلامية لكسب الرأى العام فقط، دون إدراك حقيقى لفداحة هذه المشكلة، وربما دون إيمان صادق بأنها قضية تستحق التعامل معها بجدية وبأخلاقية.
لقد أغدق المجلس والحكومة على المصابين وأسر الشهداء بكميات هائلة من التصريحات والكلام الناعم، وأغرقوا مصر بسيول من الوعود بالقناطير المقنطرة من ذهب التعويضات وفضة العلاج، وعلى مدار الشهور الثلاثة الماضية خيم صمت رهيب على هذه القضية بما بدا معه وكأنها حلت وأنجزت بالفعل، وأن ما جرى الإعلان عنه من صناديق وآليات وإجراءات لحسم هذا الملف كان حقيقيا، وليس مجرد فلاشات تلمع فى مؤتمرات صحفية.
غير أن الشهور والأيام كشفت عن أن كل ما قيل كان مجرد فرقعات إعلامية، أو محاولة لخطف ورقة الشهداء والمصابين من أيدى جمعيات ومنظمات مجتمع مدنى محترمة، كى لا تستخدم سياسيا لإحراج الحكومة والمجلس العسكرى، وبوضوح أكثر جرت عملية تأميم لهذا الملف، ليكتب باسم الحكومة دون أن تبذل فيه ما يؤهلها للهيمنة عليه.
ولقد صعقت حين وقف واحد من ذوى ضحايا العدوان على الثورة فى أمسية رائعة للشاعر الكبير سيد حجاب أدارها المبدع الجميل علاء الأسوانى فى مركز إعداد القادة بعد تحريره من غاصبيه، ليعلن بأعلى صوت أن الحكومة ضحكت علينا فى موضوع الشهداء والمصابين، بل إنه لفت إلى ما هو أخطر حين فجر قضية مفقودى الثورة باعتباره والدا لأحد الشباب الذين خرجوا ثائرين ولم يعودوا حتى الآن ولا يعلم مصيره، مشيرا إلى أن هناك نحو ألف مفقود لا يعرف ذووهم ماذا جرى لهم، وأين هم الآن.
ومنذ يومين اجتمع عدد من أهالى الشهداء والمصابين وأصدروا «بيان ضحايا ثورة يناير» حمل مجموعة من الصدمات وأعلن عن إجراءات تصعيدية دفاعا عن الحقوق الضائعة، وقال فى سطوره الأولى «أتضح لنا من خلال التعامل مع أداء صندوق دعم ورعاية أسر الشهداء ومصابى ثورة 25 يناير وما نشر من أخبار مغلوطة على الوسائل الإعلامية بأنه قد قام بعلاج وصرف مستحقات المصابين ورعايتهم على مستوى الجمهورية وإقناعه للرأى العام بذلك وهذا ما لم يحدث وهو مخالف للحقيقة تمام المخالفة».
وبعد عتاب شديد للقوى السياسية المنشغلة بجمع الغنائم بعد الثورة، يحمل البيان المجلس العسكرى وحكومة شرف المسئولية عن تدهور صحة المصابين نتيجة تركهم فترة طويلة دون علاج، ويكشف عن مفاجأة أخرى وهى أن الدولة لم تعالج سوى أقل من 3% فقط من المصابين فيما اضطلع المجتمع المدنى بالنسبة الباقية.
إنها عملية خداع كاملة، لذا قرر البيان الاعتصام السلمى الرسمى فى ميدان التحرير يوم 11/11 الحالى، ومقاطعة الانتخابات البرلمانية، وباقى القصة معروف: سيتم اقتحام الاعتصام وفضه بالقوة واتهام المصابين بالبلطجة وتعطيل عجلة الإنتاج.