يُشكل التحالف المحتمل بين إسرائيل وأرض الصومال تحولًا جيوسياسيًا مهمًا فى القرن الإفريقى، يحمل فى طياته تداعيات عميقة على المنطقة، وهو ما كشف عنه موقع ميدل إيست مونيتور فى الخامس عشر من أكتوبر 2024، بأن هناك نوايا إسرائيلية لإنشاء قاعدة عسكرية فى إقليم أرض الصومال، ذلك الإقليم الانفصالى الذى أعلن استقلاله بشكل منفرد عام 1991، لكن لم يتم الاعتراف به دوليًا. يأتى هذا التوجه الإسرائيلى فى سياق توظيف إيران عملية طوفان الأقصى التى اندلعت فى السابع من أكتوبر 2024، لتهديد المصالح الإسرائيلية من خلال المواجهات غير المباشرة، وذلك عبر وكلائها فى المنطقة. وردًا على ذلك، تسعى إسرائيل إلى بناء تحالفات استراتيجية مع دول المنطقة، لا سيما تلك المطلة على الممرات البحرية الحيوية، بهدف تقويض قدرات الحوثيين وإضعاف نفوذ إيران فى المنطقة.
نجد أن هناك مجموعة من العوامل التى تدفع إسرائيل لفتح قنوات تواصل مع أرض الصومال، والتى يُمكن استعراضها، وذلك على النحو التالى:
الموقع الاستراتيجي: تقع أرض الصومال فى قلب أحد أهم الممرات المائية العالمية؛ إذ تطل على خليج عدن ومضيق باب المندب، الذى يُعد حلقة وصل استراتيجية فى طرق التجارة البحرية التى تربط المحيط الأطلسى والبحر المتوسط بالمحيط الهندى. هذا الموقع الجغرافى المتميز لأرض الصومال، ترغب إسرائيل فى توظيفه لتقويض نشاط حركة الحوثيين، وذلك من خلال إيجاد منفذ على البحر الأحمر؛ حيث تُسيطر جماعة الحوثيين على معظم الساحل اليمنى المطل على البحر الأحمر.
الحسابات الأمنية: عملت حركة الحوثيين على تعطيل حركة الملاحة البحرية، وهو ما دفع عددًا متزايدًا من شراكات الشحن بإعادة توجيه سفن الشحن الخاصة بها لتجنب البحر الأحمر، مع اتخاذ بدائل أكثر استهلاكًا للوقت ومكلفة للوصول إلى وجهتها. وفى ضوء ما سبق ذكره، نجد أنه فى حال حدوث تقارب بين إسرائيل وأرض الصومال، فمن المُحتمل أن يكون هناك تعاون مُشترك لمواجهة الإرهاب البحرى الحوثى المدعوم من إيران، وذلك من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية للكشف عن التهديدات البحرية المحتملة، ومكافحة القرصنة البحرية، وهو ما يُسهم فى ضمان حرية الملاحة.
العامل الاقتصادى: تتمتع أرض الصومال بمقدرات اقتصادية هائلة؛ إذ تحتوى أرض الصومال على ثروات طبيعية ضخمة، تشمل احتياطات نفطية محتملة تُقدر بنحو 110 مليار برميل، بالإضافة إلى الذهب والمعادن الأخرى. ويمكن لإسرائيل تعزيز العلاقات مع أرض الصومال فى المجال الاقتصادى من خلال إبرام اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم بشأن بناء القدرات فى مجالات الزراعة والسياحة والطاقة وتطوير البنية التحتية.
• • •
نجد أنه من المُرجح فى حال قيام إسرائيل بإنشاء قاعدة عسكرية فى أرض الصومال، أن يحمل هذا التحرك العديد من الدلالات والتداعيات، والتى يُمكن توضيحها:
أولًا- تقويض النفوذ الإيرانى فى القرن الإفريقي: نجد أن إحدى ركائز السياسة الخارجية الإيرانية تتمثل فى معارضة إسرائيل والغرب، والسعى إلى تأسيس إقليمى بديل، ولذا، برزت إيران على مدى العقد الماضى كلاعب إقليمى رئيسى فى اليمن يدعم أنصار الله (المعروفين باسم الحوثيين). كما عملت إيران على توظيف موقع اليمن الجيوستراتيجى على طول أحد أهم الممرات المائية فى العالم، مضيق باب المندب، وهو ما يمنحها نفوذًا كبيرًا على حركة الشحن العالمى، فقد زودت إيران الحوثيين بطائرات بدون طيار وصواريخ كروز؛ مما مكنهم من استهداف أكثر من 80 سفينة تجارية بطائرات بدون طيار وصواريخ، وهو ما أدى إلى تهديد السفن التى تمر عبر مضيق باب المندب، وتعطيل طرق التجارة العالمية. وفى ضوء الاستعراض السابق، تحاول إسرائيل إيجاد موطئ قدم للسيطرة على منطقة باب المندب وخليج عدن، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال التقارب مع أرض الصومال.
ثانيًا- تزايد نشاط الحركات الإرهابية: لا شك أنه فى حال حدوث تقارب بين إسرائيل وأرض الصومال، سيؤدى إلى تزايد الهجمات الإرهابية من جانب حركة الشباب الإرهابية، التى سترفض الوجود الإسرائيلى، وستعمل على حشد وتعبئة المزيد من المقاتلين لشن هجمات إرهابية من خلال استغلال مشاعر العداء تجاه إثيوبيا. وهناك احتمالية فى أن تستفيد حركة الشباب من الاتفاق لحشد وتجنيد المزيد من المقاتلين، لشن «حرب دينية» ضد إسرائيل، وهو ما سيؤدى إلى زعزعة الاستقرار فى المنطقة.
• • •
على الرغم من عدم وجود أى تصريح رسمى من جانب أرض الصومال بشأن احتمالية قيام إسرائيل بتدشين قاعدة عسكرية داخل أرضيها، سواء بالتأكيد أو بالنفى حتى كتابة هذه الورقة البحثية، فإنه من خلال متابعة التفاعلات السياسية فى أرض الصومال، يُمكن تقديم تصور مُحتمل بشأن حسابات النخبة السياسية فى أرض الصومال، فيما يتعلق بالتقارب المُحتمل مع إسرائيل، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالى:
- دراسة ردود الأفعال المُتوقعة: نجد أن حسابات النخبة السياسية فى أرض الصومال، ستضع فى اعتباراتها عند دراسة العرض الإسرائيلى لإنشاء قاعدة عسكرية داخل أراضيها، أبرز ردود الفعل المُتوقعة حيال هذه الخطوة، والتى يمكن استعراضها، وذلك على النحو التالي:
- على صعيد دول الجوار: لا شك أنه فى حال قيام إسرائيل بالاعتراف الدولى بأرض الصومال، فإنه من المؤكد أن هذه الخطوة ستقابل بالرفض من جانب الحكومة الصومالية الفيدرالية، وكذلك الدول المُساندة لمبدأ الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى الصومالية، والمناهضة لأى تحرك من جانب الحركات الانفصالية فى إقليم القرن الإفريقى. مع الأخذ فى الحسبان، أن إثيوبيا ربما ترحب بالحضور العسكرى الإسرائيلى فى أرض الصومال.
- على الصعيد الدولى: نجدأنه من المُرجح أن تُبارك الولايات المتحدة الأمريكية قيام إسرائيل بتدشين قاعدة عسكرية فى أرض الصومال؛ حيث إن التقارب الإسرائيلى المُحتمل مع حكومة أرض الصومال سيمكنها من الوصول إلى مطار وميناء بربرة، الذى يطل على خليج عدن، وعلى مضيق باب المندب، ومن شأن ذلك حماية المصالح الاقتصادية والأمنية الإسرائيلية وكذلك الأمريكية فى منطقة القرن الإفريقى، وموازنة الاستثمارات الصينية فى المنطقة. وهنا نجد أن هناك تساؤلًا فى غاية الأهمية بشأن مدى احتمالية قيام الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالاعتراف الدولى بحكومة أرض الصومال، نجد أن الإدارة الأمريكية لديها موقف راسخ يتمثل فى وحدة الصومال؛ حيث تتعاون مع حكومة أرض الصومال كما تتعاون مع الحكومة المركزية الصومالية لتحقيق الأهداف المشتركة، وتعتبر مسألة وضع أرض الصومال شأنًا داخليًا يقرره الشعب الصومالى، فالإدارة الأمريكية تتخوف من أنها إذا دعمت أرض الصومال للحصول على الاعتراف الدولى، سيشجع الحركات الانفصالية فى جميع أنحاء القارة الإفريقية، وهو ما سيؤدى إلى زعزعة الاستقرار فى القارة. وبالنسبة للجانب الإسرائيلى، فمن المُحتمل أن تقدم إسرائيل على الانخراط فى مفاوضات مع أرض الصومال بشأن مسالة الاعتراف بها كدولة مستقلة، فى مقابل تطبيع العلاقات فى مختلف المستويات، وهو ما سيؤثر فى وحدة وسيادة الدولة الصومالية.
- إحراز تقدم فى مسالة الاعتراف الدولى: من خلال الاستعراض السابق، وتوضيح أبرز ردود الأفعال المُتوقعة، نجد أن هناك احتمالًا بأن توافق أرض الصومال على ذلك العرض الإسرائيلى بإنشاء قاعدة عسكرية داخل أراضيها، وذلك مع الأخذ فى الاعتبار أن إسرائيل حليف قوى للولايات المتحدة الأمريكية، وفى حال تعزيز العلاقات مع إسرائيل، فإن هناك احتمالية لحصول أرض الصومال على الاعتراف الدولى كدولة مستقلة، وهو ما تسعى إليه أرض الصومال. علاوة على ذلك، يبذل رئيس أرض الصومال جهودًا حثيثة للانخراط فى مباحثات مع الإدارة الأمريكية، بهدف الحصول على الاعتراف الدولى.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل النخبة السياسية فى أرض الصومال على تعزيز العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية التى تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وهو ما يُحفز الاستثمار الأجنبى فى أرض الصومال، وهو ما سينعكس بشكل إيجابى على تحقيق التنمية الاقتصادية؛ مما يُمكن حكومة أرض الصومال من التمتع بالشرعية السياسية، والاستقرار السياسى والأمنى.
• • •
فى الختام، يمكن القول إن إسرائيل تسعى إلى توسيع نفوذها، خاصةً فيما يتعلق بإيجاد منفذ على البحر الأحمر. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تأمين مصالحها، وتحقيق أهدافها فى إقليم القرن الإفريقى، ولذا يتعين على دول الإقليم الإفريقى والمجتمع الدولى العمل معًا لتعزيز سيادة القانون ومنع انتهاكات السيادة الإقليمية لخلق بيئة مستقرة فى القرن الإفريقى.
أسماء عادل
المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية
النص الأصلى: