أول كلمة نطقتها الثورة بعد مولدها فى 25 يناير كانت «حرية» واليوم وبعد عشرة أشهر و11 يوما تبدو الحرية مطاردة فى الشوارع والميادين ونوافذ الإعلام، فى تعبير سافر عن كراهية من يحكموننا الآن للحرية كقيمة وحق إنسانى مقدس.
إن ما جرى أمس مع المذيع فى راديو مصر زياد على يقدم دليلا إضافيا على استهداف مساحات الحرية فى بلد لا يزال يعافر من أجل استكمال «ثورة الحرية» التى بدأها فى يناير الماضى وقدم من أجلها ألف شهيد ومثلهم من المفقودين وآلاف الجرحى والمصابين، والمحاكمين عسكريا.
لقد كاد زياد على يفقد وظيفته لأنه تجرأ، وقرأ مقالا لكاتب هذه السطور بعنوان «إنهم يعلنون الحرب على الثورة» أمس الأول فى الإذاعة المصرية، التى ثبت أنها ليست إذاعة مصر، بل إذاعة أسامة هيكل والذين عينوه وزيرا للإعلام، وبالتالى تصبح قراءة مقالات ترفض سياساتهم الفاشية جريمة يستحق مرتكبها الوعيد والعقاب.
ومن عجب أنه فى اليوم ذاته الذى استشرسوا فيه مع إعلامى تناول مادة صحفية لم تعجب سادة ماسبيرو العسكريين، كان السيد ماسبيرو يذيع تقريرا عن أدائه يفخر فيه بأنه لم يصادر رأى أحد، ولم يحجب حق أى من التيارات والقوى السياسية فى عرض أفكارها وتوجهاتها وبرامجها.
غير أنه لا توجد أدنى مفاجأة فيما يحدث، ولا فى توقيته مع الإعلان عن الانتهاء من تشكيل حكومة الجنزورى وإجراء ترقيع جديد فى الإعلان الدستورى المهلهل يمنحه سلطات رئيس دولة تسير بلا دستور، فالرجل الذى اختتم عهده كرئيس لحكومة مبارك بمذبحة إعلامية أراق فيها دماء مجلة روز اليوسف وأطاح بمسئول تحريرها عادل حمودة، ونحر صحيفة «الدستور» بعد إصدارها الأول على يد إبراهيم عيسى، ها هو يعود رئيسا لحكومة المجلس العسكرى ويبدأ عهده الجديد مع حادث دهس إعلامى عابر لإظهار العين الحمراء لكل من تسول له نفسه أن يعتبر أن مصر شهدت ثورة.
إن آلة الحرب الإعلامية على الثورة قد دارت منذ فترة طويلة، وإن كانت على استحياء، باقتلاع الزميلة دينا عبدالرحمن من شاشتها وبرنامجها الشهير، ثم بإجبار الزميل يسرى فودة على الاحتجاب لفترة طويلة بعد تدخل خشن من خلف الستار، والآن تنطلق الآلة الجهنمية بكامل طاقتها فى محاولة مستعرة لقطع خطوط الاتصال بين الثورة والجماهير، فنجد عمليات اغتيال معنوية ممنهجة لكل من لهم علاقة بالثورة.
ولو عدت بالذاكرة إلى الفترة التالية لخلع الرئيس السابق، ستجد كلاما ورديا عن الحريات الإعلامية، وصل إلى حد إلغاء وزارة الإعلام على اعتبار أن وجود وزارة بهذا الاسم يرتبط بالفاشية والاستبداد ولا يليق أن تكون هناك وزارة إعلام فى بلد أنجز ثورة الحرية، وإن هى إلا أسابيع حتى قرروا استدعاء الوزارة مرة أخرى من مخزن الاستبداد والفاشية، ووضعوا على رأسها وزيرا من أهلهم، وقعت خلال فترته القصيرة كوارث إعلامية تكفى لربع قرن.
إنه الحنين إلى الفاشية!