اللاجئون الفلسطينيون.. الأعداد ودلالاتها - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:19 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اللاجئون الفلسطينيون.. الأعداد ودلالاتها

نشر فى : الأربعاء 7 فبراير 2018 - 10:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 7 فبراير 2018 - 10:15 م

قرار الرئيس دونالد ترامب المتعلق بتجميد ثلث مساعدة الولايات المتحدة إلى الأونروا أعاد إلى جدول الأعمال موضوع هذه المنظمة التى يثير جوهر وجودها وعملها انتقادات حادة فى إسرائيل. والأونروا هى منظمة إغاثة للاجئين أُنشئت فى سنة 1949، بعد حرب التحرير (حرب 1948)، كى تهتم بصورة حصرية باللاجئين الفلسطينيين.
منذ 70 عاما تُعتبر مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مثل مشكلة القدس، العقبة الكأداء المركزية فى حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. وبالنسبة إلى الفلسطينيين الذين تربوا على ثقافة النكبة، فإن تقديم تنازلات فى قضية اللاجئين هو كالمسّ بالهوية الوطنية الفلسطينية.
يًقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين الذى اقتُلعوا من منازلهم، خلال حرب 1948، بـ 720.000 نسمة، سكنت أغلبيتهم فى مخيمات للاجئين فى كل من الضفة الغربية، وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسورية. وبحسب أرقام الأونروا يبلغ عددهم اليوم أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون نسمة. وبحسب إجراء متبع ومتجذر فى الأونروا، يُعتبر جميع أحفاد اللاجئين لاجئين أيضا. وحتى حصولهم على جنسية دولة أُخرى مثل الأردن، لا يمس بوضعهم كلاجئين. والمغزى من هذه الفكرة هو أن عودة هؤلاء اللاجئين وأحفادهم إلى وطنهم، هى فقط التى تلغى وضعهم هذا. وفى المقابل، فإن مطالبة الفلسطينيين بـ«حق عودة» اللاجئين إلى وطنهم، هى خط أحمر بالنسبة إلى دولة إسرائيل. ويحظى هذا الموقف بدعم كبير من الأغلبية الساحقة من مواطنين إسرائيليين، ينتمون إلى جميع الأطياف السياسية، لأن عودة الفلسطينيين بأحجام كبيرة إلى حدود دولة إسرائيل تحمل دلالات بعيدة المدى تتعلق بطابع الدولة. لكن جميع محاولات دولة إسرائيل طوال هذه السنوات لتغيير هذا الإجراء المتبع، وإلغاء الأونروا كهيئة مستقلة، وتحويلها إلى منظمة أممية للاجئين، تهتم بسائر اللاجئين فى العالم، لم تنجح. ويعود هذا بصورة أساسية إلى موقف الدول العربية، ومفاده بأن أى تغيير من هذا النوع لن يسمح بإعطاء أحفاد اللاجئين الفلسطينيين وضع لاجئ، الأمر الذى سيضعف الموقف الفلسطينى فى المفاوضات.
تفرض التطورات والاضطرابات الاجتماعية – السياسية، التى حدثت فى الشرق الأوسط منذ سنة 2011 إعادة فحص مشكلة اللاجئين أيضا.
أولا، اتساع نطاق ظاهرة اللاجئين من الشرق الأوسط وأفريقيا التى ألقت بظلها على خصوصية ظاهرة اللاجئين الفلسطينيين. ويجرى الحديث، حاليا، عن نحو 60 مليون نازح، بينهم 17 مليون لاجئ، نصفهم تحت سن الـ 18. وتتحمل مسئولية هؤلاء اللاجئين المفوضية السامية للأمم المتحدة المختصة بشئون اللاجئين، وقسم منهم فى طريقه إلى أوروبا. وهذه الحركة لها أهمية بعيدة المدى على الصعيد الاقتصادى، والأمنى، والسياسى، والرسمى لجميع دول العالم.
على هذه الخلفية، يُنظر إلى مشكلة اللاجئين الفلسطينيين كتعبير عن تقصير مستمر من الدول العربية، وإسرائيل، والمجتمع الدولى، وعن عدم نجاحهم فى فصل حل هذه المشكلة عن مشكلة التسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. وعلى الرغم من الضائقة المستمرة للاجئين، فإن الموضوع لا يزال يُعتبر ورقة مقايضة مركزية للفلسطينيين فى مفاوضات السلام بينهم وبين إسرائيل. ومع ذلك، يبدو أن قيمة هذه الورقة التاريخية انخفضت مع ارتفاع أعداد اللاجئين فى العالم، وعدم وجود حل للنزاع الإسرائيلى ــ الفلسطينى.
مؤخرا، نُشرت أرقام جديدة تتعلق بعدد اللاجئين فى لبنان. وبخلاف الأرقام التى تظهر على الموقع الرسمى للأونروا الذى يتحدث عن 526.700 لاجئ رسمى، فإن الإحصاء اللبنانى يقدر العدد بـ 175.000. وقد جرى الإحصاء بمساعدة المكتب الفلسطينى المركزى للإحصاءات. وهذا الرقم مهم بحد ذاته، بسبب التوجّه المعروف لدى جهات فلسطينية نحو عدم التسرع فى التقليل من أعداد اللاجئين.
كان وضع اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان يُعتبر دائما هو الأسوأ مقارنة بوضعهم فى دول أُخرى، بسبب التمييز المتأصل الذى يمارَس ضدهم فى هذه الدولة، ومن هنا الفهم بأن معالجته يجب أن تجرى أولا فى إطار أى حل. وعندما جرى الحديث أيضا عن عودة رمزية للاجئين إلى إسرائيل فى إطار جمع شمل العائلات، جرى الحديث قبل كل شيء عن لاجئين من لبنان.
تعزز الفجوة بين الأرقام الافتراض أن الأعداد التى تظهر فى موقع الأونروا لا تعكس الواقع، لا فى لبنان فقط، بل أيضا فى دول أُخرى. وهذا الافتراض يقوّض صدقية الأونروا التى اعتبرت دائما فى إسرائيل هيئة معادية موجودة فى جبهة النزاع من أجل إدامة مشكلة اللاجئين إلى ما لا نهاية، وفى إثر ذلك المطالبة بـ«حق العودة».
بالإضافة، سُجلت فى السنوات الأخيرة موجة هجرة للاجئين من لبنان، ومن سورية إلى دول أُخرى، نتيجة الحرب المستمرة فى الأخيرة. إن التغيرات الديموغرافية فى لبنان، وخصوصا الانخفاض الدراماتيكى فى حجم اللاجئين الفلسطينيين فى هذه الدولة، الذى معناه تراجع الخوف من المسّ بالتوازن الهش بين تركيبة سكان البلد، يمكن أن يسمح للحكومة اللبنانية بانتهاج سياسة أكثر تساهلا فيما يتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، وهذا ما سيؤدى إلى تخفيف الضغط للدفع قُدُما إلى تسوية خاصة باللاجئين فى هذه الدولة. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام جديدة وموضوعية لأعداد اللاجئين الفلسطينيين فى سورية، فإنه من المعقول الافتراض أن عددهم هناك انخفض كثيرا أيضا، ولم تعد مشكلتهم هناك تحتل مركز الاهتمام بسبب اللاجئين فى سورية والذين خرجوا منها.
أدى استمرار قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى حدوث تغييرات فى طريقة اندماجهم فى الدول «المضيفة».. بخلاف الرأى السائد، 40% فقط من الفلسطينيين يعيشون فى مخيمات، 57% من سكان مخيم شاتيلا هم نازحون من سورية، و30% فقط هم فلسطينيون. كذلك، فى الأردن الذى منح أغلبية اللاجئين الفلسطينيين الجنسية، وجزء كبير منهم لا يسكن فى مخيمات اللاجئين بل فى أحياء سكنية «عادية».
بعد مرور 70 عاما، وفى ضوء مسارات اجتماعية، وسياسية، واقتصادية، فإن اندماج اللاجئين الفلسطينيين فى اقتصاد ومجتمع الدول المضيفة أمر لا مفر منه، لذا من الصعب المحافظة على وضع اللجوء إلى الأبد.
لا نقصد بهذا الكلام القول إن موضوع اللاجئين لا يستحق الحل. لكن بعد مرور سبعة عقود، وفى ضوء التغيرات البعيدة المدى التى طرأت على الشرق الأوسط خلال هذا الوقت، ربما يجدر بنا الفصل بين معالجة هذه القضية المعقدة، وبين التسوية السياسية التى نتطلع إليها. إن مشكلة اللاجئين هى مشكلة وطنية فلسطينية، لكنها أيضا مشكلة شخصية لمئات الآلاف من الفلسطينيين، وعدم تسوية الموضوع لا يجعلهم أكثر اعتدالا.
إن قرار الرئيس ترامب تجميد المساعدة المخصصة للأونروا من دون أى استعداد كما يجب، لتقديم الخدمات التى يحتاج إليها اللاجئون، كما يجرى فى قطاع غزة مثلا، لا يساهم فى الاستقرار والاعتدال فى المنطقة. وفى مقابل ذلك، من المحتمل جدا، كما حدث أكثر من مرة فى الماضى، أن تضطر دولة إسرائيل إلى دفع الحساب.

باحثة فى معهد دراسات الأمن القومى
مباط عال
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات