الشعب والشرطة - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 10:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشعب والشرطة

نشر فى : الإثنين 7 مارس 2011 - 9:44 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 مارس 2011 - 9:44 ص

 فى أول خطوة لحكومة الدكتور عصام شرف قبيل تشكيلها وعقب اختياره رئيسا للوزراء مباشرة طرحت الصفحة الإلكترونية الخاصة بمجلس الوزراء سؤالا مهما هو: «هل ترى أن العلاقة بين جهاز الشرطة والشعب بحاجة إلى حوار فعال وطنى لإعادة الثقة؟ وما هى مقترحاتك لإعادة الثقة بين الشرطة والشعب».

وقبل التفكير فى وضع حلول للمشكلة لابد أولا من البحث عن أبرز أسبابها المزمنة والطارئة، للاستبصار بها قبل اقتراح الحلول.

ولعل أبرز الأسباب المزمنة من وجهة نظرى تتمثل فى ثلاث نقاط: أولها خطاب الشرطة الذى يمثل خطابا غاشما متعاليا لا يرتدى ثوب منفذ القانون بل ثوب القانون نفسه أحيانا، وثوب من هو فوق القانون أحيانا أخرى، بداية من عدم التزام بعض ضباط الشرطة فى سياراتهم وسيرهم بقواعد المرور وانتهاء بالاعتقال المتعسف وتلفيق القضايا. فلم يكن إلغاء شعار «الشرطة فى خدمة الشعب» إلغاءً عبثيا بل كان مصداقا للتغير الحقيقى للسلوك الشرطى فى الواقع، ولهذا بالطبع لم تسفر عودة الشعار القديم مؤخرا عن تغير السلوك الذى يحتاج إلى وقت تتم فيه إعادة تأهيل فعلية للعاملين بهذا الجهاز.

وثانيها الاعتماد المطلق على منطق القوة المفرطة، إذا كان لها منطق، فى معالجة ملفات جميع الموضوعات بغض النظر عن اختلاف طبيعتها، واستخدامها أحيانا فى تسجيل اعترافات تسمح بتستيف أوراق البلاغات والقضايا بطريقة «تمام يا أفندم» بغض النظر عن عدم مشروعية الوسيلة وفقدان الغاية وهى تحقيق العدل وليس غلق الملفات ولو باعترافات إجبارية ملفقة.

وثالثها التدخل فيما هو خارج نطاق عملها الأساسى بصورة سافرة نقلت الإحساس للمواطنين أحيانا بأن هذا الجهاز يسيطر على كل مؤسسات الدولة ويتحكم فيها وفى مصير كل المواطنين مهما علت مناصبهم، بمنطق مدير أمن البحيرة المنقول مؤخرا الذى قال: «إحنا أسيادهم»، الذى تردد بعد نقله أنه لم يحاسبه أحد أو يحقق معه بشأن هذه التصريحات المهينة للشعب المصرى؟!

أما الأسباب الطارئة فتتمثل فيما صاحب وأعقب ثورة 25 يناير وأبرزها أيضا ثلاث نقاط: أولها القتل العمد لشهداء الحرية فى ميادين التظاهر أحيانا، وفى شرفات مكاتبهم حينا برصاص القناصة لمجرد الاجتراء على تصوير ما يحدث.

وثانيها المؤامرة الخسيسة الخائنة المتمثلة فى انسحاب الشرطة وإطلاق سراح المساجين، ومشاركة بعض أفرادها فى أعمال الترويع والسلب والنهب لإجبار المواطنين على خيار وهمى مستبد بين الأمان والحرية، وكأنهما من المستحيل أن يجتمعا معا كما هو الحال فى جميع دول العالم المتحضرة.

وثالثها ما تم نشره مؤخرا عن الفساد المالى والثروات الفاحشة لدى بعض أفراد هذا الجهاز الذى من مهامه الرئيسية الحفاظ على المال العام.

ولا أعتقد أن الدور المشكور لأبطال الشرطة الشرفاء الذين يضحون بأرواحهم كل يوم فى سبيل الوطن وأمن المواطنين فى حاجة إلى تأكيد، كما لا أعتقد أن مواقفهم الوطنية الحاسمة، وذكرى 25 يناير ذاتها تشهد بهذا، فى حاجة إلى توضيح. لكن لابد من الاعتراف بأن خللا ما قد أصاب هذه المنظومة مثلها فى ذلك تماما مثل كل أجهزة الدولة التى تحتاج إلى إعادة إصلاح جذرى.

وبقدر قيمة هذا الجهاز واعتزاز المواطنين بدوره الحاسم فى أمن وأمان الوطن، كانت نقمتهم على ما آل إليه حاله ورغبتهم الصادقة فى مراجعته دون التقليل من الهيبة الواجبة لمنفذ القانون، أو للدور القومى الذى تقوم به الشرطة بما فى ذلك مباحث أمن الدولة نفسها، التى أؤيد الدكتور العوَّا فى تصريحه المنشور بشأنها يوم الجمع 4 مارس بجريدة المصرى اليوم الذى يقول فيه إن المطالبة بحلها تماما إسراف وعبث.

وربما يمكن اقتراح مجموعة من الإجراءات العاجلة والآجلة لإصلاح هذه العلاقة الملتهبة بين الشرطة والشعب: وأول هذه الإجراءات العاجلة فتح التحقيقات الشفافة والعادلة حول كل المخالفات التى ارتكبت بداية من 25 يناير، وأتمنى أن تكون انتهاء بإطلاق النار على المتظاهرين أمام مبنى مباحث أمن الدولة بالإسكندرية يوم الجمعة الماضى. وثانيها إلغاء حالة الطوارئ التى تسمح بانتهاك كل القوانين ومنح ضباط الشرطة قوة مفرطة كفيلة بالحس على الطغيان بعيدا عن أوامر النيابة. وثالثها الإفراج الفورى عن كل المعتقلين السياسيين غير المتورطين فى قضايا جنائية لأن الرأى لا يجابه إلا بالحوار. ورابعها فتح الباب لخريجى كليات الحقوق للالتحاق بكلية الشرطة لمدة ستة أشهر والتخرج منها برتبة ملازم لسد الفراغ الأمنى الموجود بالشارع وضمان تطعيم الجهاز بنوعية جديدة من الشباب القانونى.

أما الإجراءات الآجلة فأولها إعادة النظر فى قواعد وطريقة القبول بكليات الشرطة لأن هذا هو بوابة الطريق الصحيح لمستقبل هذا الجهاز.

وثانيها التفكير فى اختيار وزير داخلية مدنى كما هو متبع فى كثير من دول العالم حتى نضمن أن استراتيجية الجهاز تعتمد فى جوهرها على إعمال العقل لا استخدام القوة.

كما أرجو ألا تسمح الثورة بعودة مصر إلى زمن كان فيه الواقع أكثر سخرية من خيال أكبر كتاب الفكاهة، وأظن أن بعضكم مازال يذكر سؤال الرئيس السابق لأحد الفلاحين البسطاء قائلا: «مش عايز حاجة»، وإجابة الفلاح البسيط عليه: «ياريت تدينى كارت للبيه المأمور».

التعليقات