منذ سبع سنوات على الأقل والحديث يدور عن ضربة عسكرية على إيران. توقعوها أمريكية تارة ثم إسرائيلية ــ أمريكية مشتركة تارة اخرى وطورا إسرائيلية منفردة. بنى صحفيون عرب وأجانب أمجادهم على «تسريب» أخبار تعين التوقيت الدقيق للضربة. ما لم يجر «تسريبه» كثيرا هو الكيفية التى سوف تتم بها الضربة، ومضاعفاتها على خطوط النفط والغاز الخليجية حتى لا نتحدث عن الاساطيل والقواعد الأمريكية فى الخليج. يزيد من حراجة التساؤل تزايد الحديث لفترة عن أن الأهداف النووية الإيرانية المعروفة لدى الأجهزة الأمنية الأمريكية والإسرائيلية متواضعة العدد ما يؤثر على فاعلية الضربة. بل قيل ان الضربة، ولو نجحت، سوف تؤخر البرنامج لبضع سنوات لا أكثر. والاندر اننا لسنا نعرف الكثير عن حجم ومدى وإمكانات ردود الفعل الإيرانية على «الضربة» العتيدة ومدى تأثيرها على النظام فى الجمهورية الإسلامية: هل سوف تسقطه، تضعفه أو تزيده قوة وشعبية؟
•••
لن تفيدنا هذه الاسئلة فى فهم أسباب خفوت طبول الحرب حول «الملف الإيرانى» لشهور عديدة ودويها المفاجئ مؤخرا بل استحواذها على مؤتمر «أيباك» وعلى المحادثات الأمريكية الإسرائيلية على مدى الأيام الأخيرة.
يجوز التساؤل مثلا: هل وصل برنامج التسلح النووى الإيرانى مرحلة من التقدم تستدعى الحسم؟
يفيد الخبراء ان وكالات المخابرات والأمن الأمريكية، البالغ عددها ١٦ وكالة، ومعها كل الوكالات الإسرائيلية، مجمعة على ان إيران «لم تحصل على سلاح نووى» وان ليس لديها أصلا برنامج لإنتاج السلاح النووى. ويشدد الخبراء على الفارق الشاسع بين «التمكن النووى» و«التسلح النووى». ويردفون قائلين: لا شك ان دولة مثل إيران تستطيع تخصيب اليورانيوم بدرجة ٥ للاغراض الطبية، تملك من الخبرات والامكانات لانتاج درجات اعلى من التخصيب تسمح بإنتاج سلاح نووى. لكن هذه النقلة لا تتطلب قرارا سياسيا وحسب وانما توفر أجهزة طرد اكثر تطورا بكثير من الاجهزة الحالية كثيرة العدد، اضافة إلى تصنيع قطع السلاح النووى ذاته. وهذا يتطلب أشهرا بل بضع سنوات لانتاج السلاح النووى العتيد.
يتغير الوضع كليا عندما يتعلق بالعلاقات بين رئيس أمريكى ورئيس وزراء إسرائيل امام استحقاق التجاذب على الاصوات اليهودية بين ديمقراطيين وجمهوريين. يوازن الرئيس اوباما بين قسم الولاء شبه المطلق لإسرائيل الذى تلاه امام مؤتمر «آيباك» وبين رسالة واضحة موجهة حول الضربة العسكرية. يؤكد تفهمه أن إيران مسلحة نوويا تهدد «مصالح إسرائيل الامنية» ما يمنح هذه الاخيرة الحق فى القيام بما تراه مناسبا لـ«حماية أمنها». بل يتخذ رجل البيت الابيض لهجة التهديد ليعلن أنه لن يتردد عن «استخدام القوة عند الضرورة للدفاع عن الولايات المتحدة ومصالحها». مهما يكن، ظل الرئيس الأمريكى يحور ويدور فى دائرة المصالح والامن. لكنه يختم بأنه لايزال يعتقد «ان الفرصة متاحة أمام الدبلوماسية المدعومة من الضغوط للنجاح». فردت عليه الجمهورية الاسلامية بالتى هى احسن. عشية استئناف المحادثات النووية مع إيران، أبدت طهران استعدادها لفتح موقع بارشين أمام الوكالة الذرية.
•••
بإيجاز: أوباما لا يريد الحرب أقله ليس قبل الانتخابات الرئاسية. ولكنه يريد سلب الجمهوريين ورقة المزايدة على الولاء لإسرائيل.
لن نعرف قبل وقت ما الذى جرى فى اللقاء بين الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء الإسرائيلى. ولكن تحليلا أجرته خبيرتان إسرائيليتان لصحيفة «هآارتس» عن «لغة الاجساد» خلال اللقاء ينبئ بما هو طريف على الاقل. يبدو ان اوباما كان متوثبا ولكنه يوحى فى الوقت ذاته بـ«الدفء المزيف» فيما بدا نتنياهو أشبه بـ«طفل تعرض للتوبيخ».
حقيقة الامر ان لغة الاجساد تتكامل مع مخاتلة الكلام. نعرف ان اوباما، فى معرض التوبيخ، حذر من ان الحديث غير المسئول عن الحرب يساعد ايران لأنه يرفع اسعار النفط. وهو للمناسبة يساعد روسيا للسبب ذاته.
قد يكون نتنياهو تعرض للتوبيخ لكن مخاتلاته كثيرة. قال ان «إسرائيل هى الولايات المتحدة والولايات المتحدة هى إسرائيل» فى خطابه امام مؤتمر أيباك وسبق القول واعقبه بأن إسرائيل وحدها سيدة استقلالها فيما وزير خارجيته يؤكد ان بلاده تتخذ قراراتها فيما يتعلق بالملف النووى الايرانى «كدولة مستقلة». ولكن فى حين تحدث الرئيس الأمريكى عن المصالح والامن، بل خلط المصالح بالامن للحديث عن المصالح الامنية، غادر رئيس الوزراء الإسرائيلى خطاب الامن ليضرب على الوتر الذى لا يستطيع أحد ان يعزف عليه غير إسرائيل: النووى الايرانى يعادل «شبح الإبادة» لإسرائيل.
•••
ليضرب من يشاء اخماسا بأسداس لمعرفة وظيفة هذه المباراة بين لغة الاجساد ولغة المخاتلة من حيث دورها فى الانتخابات الأمريكية. المؤكد اننا امام رئيس وزراء كذاب ياخذ صك براءة على كذبه من رئيس أمريكى على امتلاكه حوالى 200 رأس نووى لا تعرف البشرية عنها شيئا لأن إسرائيل لا تزال ترفض التوقيع على معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية ولم تسمح مرة لاى فريق مراقبة دولى بأن يزور منشآتها النووية. ليس النووى الايرانى يشكل خطرا على أمن إسرائيل ناهيك بوجودها. ان نتنياهو يدافع ببساطة عن احتكاره للسلاح النووى فى منطقة الشرق الاوسط.
وهو الاحتكار الذى تحميه السياسات المتعاقبة للولايات المتحدة. بل ان ادارة اوباما قد نجحت فى ان تقنع عرب النفط بنظرية نتنياهو عن «استبدال الاعداء» بين إسرائيل وايران.
لم تفعل الادارة الأمريكية ذلك كرمى لعيون الدولة الصهيونية وانما تنفيذا لحلم طويل هو القدرة على شبك اوثق العلاقات بين قاعدتى سيطرتها فى المنطقة: الدولة الصهيونية وجماعة النفط والغاز. فهل من حاجة لتقارير سرية عن التنسيق الامنى بينهما لنتبين الحقيقة التى تصفعنا فى الوجه؟