ما الذى توقعناه من زيارة أوباما؟
مراسل جريدة بريطانية سأل إحدى السيدات من ساكنى منطقة بين السرايات، عما تريده من الرئيس الأمريكى، فقالت إنها منذ ثلاثة شهور تحاول استخراج بطاقة شخصية، لكنها لم تفلح، وتتمنى حين يصل أن يستخرجوا لها البطاقة.
بمنطق من هذا النوع تعامل كثيرون ــ حتى بين النخبة ــ مع زيارة الرئيس «الأمريكى»، الذى انتخبه الشعب «الأمريكى» ليحكم « أمريكا»، لكننا نصر على أنه مسلم وأفريقى وعربى فوق البيعة.
أحد أصدقائى ساءه جدا أن يتحدث أوباما عن الهولوكوست باعتباره حقيقة تاريخية لا سبيل لتكذيبها، وقد كان يتوقع ــ صديقى طبعا ــ أن يحذو أوباما حذو الرئيس الإيرانى أحمدى أنجاد فيعلن أن الهولوكوست خرافة وأنه ــ أوباما ــ سيزيل إسرائيل من الوجود، وأخشى أن يكون الأخوة الفلسطينيون فهموا من رسالة الرجل عن حل الدولتين، أنهما دولتان للشعبين الحمساوى والفتحاوى، وهو ماسيؤجج نار العداوة المشتعلة بينهما أصلا.
خطاب أوباما كان رائعا، واستشهاداته من القرآن والإنجيل والتوراة لم تكن ضحكا على الذقون، ولم تكن «سلطانية» ألبسنا إياها، كما قال بعضهم أو حملة علاقات عامة لتجميل وجه أمريكا كما قال آخرون.
رأيى أن الرئيس الأمريكى الجديد عبّر عن قناعات حقيقية، ومد يدا تستحق أن نصافحها لا أن نعرض عنها، والذين توقعوا من الرجل أكثر مما قال لا يلومون إلا أنفسهم.
الإسرائيليون مستاءون جدا من خطاب أوباما وتصريحاته المتتالية عن حل الدولتين ووقف بناء المستوطنات، وسيستخرجون كل ما فى جعبتهم من حيل ومكر ونفوذ لمقاومة دعوته، فماذا ترانا فاعلين؟
لا أتصور أن «الاشتغالات التهويمية» و«الفذلكات الإمبريقية» يمكنها أن تقود إلى شىء، بل على العكس ستخصم مزيدا من رصيدنا وتؤكد صورتنا الذهنية باعتبارنا «أمة حنجورية».
لدينا مصادر قوى ووسائل ضغط، علينا فورا أن نشحذها ونشغّلها، وأن نوجّه رسائل فى الاتجاه الصحيح، وأن نستحث الرئيس الأمريكى على أن يحول كلماته إلى أفعال.
أما الذين أدهشهم أن يتحدث أوباما للعالم الإسلامى من هنا فعليهم أن يفهموا الرسالة بطريقة مختلفة، وأن يستشعروا أهمية بلدهم وعمق تأثيره فى المنطقة، وأتصور أن زيارة أوباما للأهرامات ومسجد السلطان حسن وإلقاء خطابه من جامعة القاهرة وتأكيده على دور الأزهر، كلها إشارات مهمة، فهل بوسعنا أن نستعيد مصر التى ترمز إليها هذه المعانى فى أبهى تجلياتها؟: تاريخ وعراقة تمثلان قوى دفع باهرة لا عوامل نكوص وتخلف، وسطية تتمسك بروح الدين وقيمه الأصيلة من عدل وتسامح وإخاء، علم واستنارة تشعان على المنطقة بأسرها فتوقظها من ظلام الجهل والغيبية.
ربما أدرك أوباما هذا حين اختار القاهرة ليلقى من جامعتها خطابه.
بقى أن ندركه نحن ونحلم بمصر التى نريد، كما يحلم هو بأمريكا التى يريد.