برسم لجنة الحوار الوطنى: طبقوا الدستور - فوّاز طرابلسى - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 11:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

برسم لجنة الحوار الوطنى: طبقوا الدستور

نشر فى : الخميس 7 يونيو 2012 - 8:40 ص | آخر تحديث : الخميس 7 يونيو 2012 - 8:40 ص

مهما يكن من أمر انعقاد مؤتمر الحوار الوطنى فى موعده، فالمناسبة، إقليميا ومحليا، تثير جملة من الملاحظات مثلما تستدعى التعليق على الطريقة المبتكرة التى عالج بها السيد حسن نصر الله الموضوع بالدعوة لعقد مؤتمر تأسيسى وطنى غرضه «بناء الدولة القوية العادلة»، مؤتمر ينتخب ليس على أساس طائفى، بل على أساس شرائح ونسب مئوية لفئات المجتمع.

 

●●●

 

مهما يكن، فسوف يحتل موضوع السلاح المرتبة الاولى على طاولة مؤتمر الحوار الوطنى. وهذا ما يطرح مسألة المقاومة من جديد.

 

ان المقاومة المسلحة، بمراحلها وقواها المختلفة، وصولا إلى الدور الرئيسى والختامى للمقاومة الإسلامية فى دفعها إلى الانتصار، قد أنجزت مهمة تحرير الارض المحتلة منذ اثنتى عشرة سنة. ونجحت المقاومة الإسلامية فى الدفاع عن هذا الانجاز التاريخى وعن نفسها ضد عدد من الاعتداءات الإسرائيلية، وآخرها عدوان صيف ٢٠٠٦.

 

حرى التساؤل الآن عن معنى المقاومة المسلحة وقد أنجزت مهمة تحرير الأرض؟ نقول «مسلحة» على اعتبار ان الحق فى الأشكال الأخرى من المقاومة الوطنية أو القومية ليس موضع بحث هنا. بقيت من مهمات المقاومة المسلحة مهمة الدفاع الوطنى. إن ما راكمه المقاومون اللبنانيون، فى «حزب الله» وخارجه، من سلاح وخبرة، هو خزان وفير للدفاع عن لبنان. وإذا كانت قد نشأت مقاومة مدنية مسلحة إلى جانب الجيش اللبنانى المحترف فلأن القيادة السياسية، مستقوية بنظرية ان «قوة لبنان فى ضعفه»، منعت القوات المسلحة النظامية من التصدى للغزو الإسرائيلى العام ١٩٨٢ خصوصا وليس حصرا. من هنا كان ولايزال موضوع «سلاح المقاومة» فى وجهه هذا، هو كيفية التنسيق نحو الاندماج بين قوتى الدفاع الوطنى: الجيش المحترف والجهاز العسكرى ــ الأمنى لـ«حزب الله».

 

وما دمنا فى هذا المجال، فلا بد من كلمة تتعلق بصميم المسألة الوطنية. فى ظل حكومة يهيمن عليها تحالف حزب الله والتيار الوطنى الحر، اطلق سراح عميلين محكومين من القضاء العسكرى، واحد لعقوبة خفيفة اصلا حُكم بها قياسا إلى جرمه، والثانى بتقصير عقوبته من ١٥ سنة إلى ثلاث سنوات. الأول من قيادة التيار الوطنى الحر والثانى يعتبر من أصدقاء تيار المستقبل. يبحث الأمين العام لـ«حزب الله» فى تنزيه الاقتصاد من الطائفية والمناطقية. الأحرى البدء بتحرير الوطنية والخيانة منهما ومن التوازن بين كتلتى ٨ آذار و١٤ آذار. هذا حتى لا نتحدث عما يبقى من استقلال القضاء فى الحالتين، وهو يوازن بين متهم مسيحى ومتهم مسلم ويضطر للافراج عن واحد لأنه قرر، سياسيا، الافراج عن الثانى. ولا ننسى فوق ذلك كله، فضيحة الاحتفال بالافراج عن الرجلين، ينتهى فى احتفال سعد نايل بالاعتداء على احد الصحفيين!

 

على ان الجديد فى الحوار الراهن سوف يذهب مذهبا آخر ليطرح مقايضة بقاء السلاح أو نزعه بين «الضاحيتين» الشمالية والجنوبية. ليست هذه المعادلة بريئة. لكنها تتغذى من التباسات أحداث السابع من ايار ٢٠٠٨ حين رد «حزب الله» عسكريا على محاولة حرمانه أحد أمضى أسلحته بوجه إسرائيل: خطوط الاتصال الهاتفى السلكى. لكن جاء الرد بالاستيلاء المؤقت على أحياء من بيروت الغربية ونزع سلاح مسلحى تيار «المستقبل» وحلفائه حتى لا نتحدث عن تدارك الافدح فى سوق الغرب وعاليه والشوف. لم يقتصر الامر على الوجه العسكرى ــ الأمنى للعملية. كانت له مترتبات سياسية على توازن القوى الطوائفى والمذهبى والسياسى، إذ قضى اتفاق الدوحة باحتلال «حزب الله» وحلفائه موقع الثلث المعطل فى مجلس الوزراء.

 

وهكذا، فرغم الاصرار على حق المقاومين فى الدفاع عن النفس، واعتبار كل السلاح، وخصوصا الصاروخى منه، الذى بيد «حزب الله»، من قبيل القدرة العسكرية الرادعة للبنان فى وجه الاعتداءات الإسرائيلية، يصعب التمييز دائما بين ضرورات الدفاع عن أمن الجهاز العكسرى ــ الأمنى لـ«حزب الله» وبين استخدام هذا السلاح فى توازنات القوى السياسية. فمثلا، يصعب الآن ما يقال عن تمويل حزب الله مجموعات مسلحة فى طرابلس وأقضية الشمال على حساب مهمة الدفاع الوطنى.

 

●●●

 

من باب التبرم من المناطقية والطوائفية، شدد الامين العام لـ«حزب الله» على ان الاقتصاد لا يمكنه ان يكون «اقتصاد منطقة وحدها أو اقتصادا طوائفيا»، بل هو اقتصاد للوطن، وهنا مطالبته ايضا بدولة تستطيع ان تحل مشاكل الناس الاجتماعية والاقتصادية. ما يغفله السيد ان اقتصاد لبنان اقتصاد رأسمالى، على المذهب النيوليبرالى، ومن ابناء الطائفة الخدمية الريعية. والجواب عما يمنع الدولة من حل مشاكل الناس الاجتماعية والاقتصادية هو انها تؤدى مهمة أخرى، هى الدفاع عن مصالح الثلاثى، المصارف ــ المستوردين ــ المقاولين، المتحكم بالاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة وسواها. وأفراد هذا الثلاثى لا طائفة ولا مذهب لهم، بل تستطيع ان تضيف ألا دين لهم ايضا. ويصعب عدم التذكير بأن الحزب وحلفاءه لم يؤتوا العجب العجاب لا فى الاهتمام بقضايا المعيشية التى يوليها الامين العام الاولوية بعد الامن، ولا فى قضايا الفساد، العنوان الرئيسى للحليف العونى. فالثانية مطوية، والاولى كان العجب العجاب فيها التخلى عن محاولة متواضعة لاعتماد الاجر الاجتماعى طرحها الوزير شربل نحاس فاستحق الإقالة. فلا عجب إن تعجبنا من طرف سياسى يهيمن وحلفاؤه على الجهاز التنفيذى للدولة القائمة، ومع ذلك فهو يحيل مسألة حل المشاكل الاقتصادية الاجتماعية على الدولة.

 

على غموض صيغة التمثيل المقترحة، ينطوى اقتراح المؤتمر التأسيسى على مفارقة يصعب تجاهلها. وهى ان لبنان عقد مؤتمرا تأسيسيا العام ١٩٨٩ لوضع حد لحرب أهلية دامت 15 سنة، وتمخض عن وثيقة ودستور يعلنان قيام جمهورية جديدة. وتصر الطبقة الحاكمة لما بعد الطائف ــ والسيد حسن نصر الله و«حزب الله» جزء منها ــ على رفض تطبيق مواد اساسية من الدستور، فى مقدمتها تشكيل اللجنة الوطنية لالغاء الطائفية واعتماد نظام تمثيلى من مجلسين: مجلس نيابى منتخَب خارج القيد الطائفى، يمثل اللبنانيين بما هم مواطنون، ومجلس للشيوخ يمثل الطوائف.

 

يدعو الامين العام لـ«حزب الله» إلى النسبية ضمن القيد الطوائفى ويشجع عليها، على اعتبار انها تزيد من تعدد القيادات والمرجعيات للطائفة الواحدة بديلا من الانفراد والوحدانية. لقد جربتْ كل الصيغ المتخيلة والممكنة لتحقيق «عدالة طوائفية» ــ أى توازن القوى بين ممثليها السياسيين فى الحكم وانتهت كلها إلى واحد من اثنين: الغلبة أو التمييز الذى يستدعى الغلبة المضادة. المستحيل هو التوازن ولا عدالة فى الطوائفية والتمثيل الطوائفى. إلى هذا، اختبرنا قبل الحرب كل منوعات التعدد فى تمثيل الطائفة الواحدة، واختبرنا الوحدانية الفردانية، أو الثنائية، خلال الحرب وبعدها. وها ان السيد حسن نصر الله يدعونا للعودة إلى التعددية، ويعتبر ان اعتماد النسبية فى الدائرة الواحدة يشجع عليها. لعله يتناسى ان مشكلة التوازنات بين القوى الطوائفية السياسية قد انتقلت إلى الرئاسات التنفيذية، حيث التسابق هو الآن على النفوذ فى السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وأصحاب الثلث المعطل فى الوزارة.

 

●●●

 

للبدء من البداية، توجد خريطة طريق: تطبيق الدستور. ليست الطريق، لكنها الخطوات الأولى نحوه. الأمر خلافى؟ فلتطرح البنود الدستورية على التصويت فى استفتاء.

فوّاز طرابلسى سياسى وكاتب وأستاذ جامعى لبنانى
التعليقات