لم تحدث مفاجآت فى الانتخابات الرئاسية فى مصر. وكان واضحا منذ البداية أن عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع السابق والرجل القوى فى مصر، هو الرئيس المقبل. وقد سهل عليه خصومه المهمة، فالإخوان المسلمون ألد أعداء السيسى، قاطعت أغلبيتهم الانتخابات، وبذلك فتحوا الطريق أمام انتخابه بأغلبية كبيرة، أما النسبة المتدنية للمشاركة فى التصويت فينساها الناس مع مرور الزمن. إلى جانب ذلك، تنافس ضده مرشح واحد فقط، حمدين صباحى، الذى حل فى الانتخابات الرئاسية سنة 2012 فى المرتبة الثالثة بين 13 مرشحا، وانتخبه نحو خمسة ملايين مصرى. لقد كان واضحا أن حمدين صباحى ليس قادرا على منافسة مكانة السيسى وشعبيته. فإسقاط حكم «الإخوان» بزعامة محمد مرسى فى منتصف 2013.
أمام السيسى اليوم مهمتان أساسيتان وصعبتان متصلتان ببعضهما بعضا، وقد اختبرهما خلال السنة الأخيرة. المهمة الأولى هى ترميم الوضع الاقتصادى، إذ تعانى مصر من أزمة اقتصادية بنيوية، ومن ضائقة زادت منذ الثورة سنة 2011. فقد ألحق عدم الاستقرار أضرارا فى قطاع الاستثمارات الأجنبية والسياحة. ويتعين على السيسى أن يعثر اليوم على مستثمرين أجانب وتقليص البطالة ولا سيما وسط الشباب، وإعادة السياح إلى مصر، وتطوير البنى التحتية والصناعة. وهذه مهمة صعبة جدا لا يمكن تنفيذها خلال وقت قصير. لكن منذ سنة 2011 أضيف عنصر جديد إلى اللعبة السياسية، فإذا لم ينجح السيسى فى تحقيق بداية تحسن حقيقى.
أما المهمة الثانية التى يواجهها السيسى، فهى الحاجة إلى المواجهة مع الإخوان، ولا سيما مع اتساع الإرهاب فى مصر والحاجة إلى إعادة القانون والنظام.
لكن السيسى بحاجة أيضا إلى توجيه اهتمامه نحو علاقاته بالدول العظمى. ويوجد داخل القيادة المصرية غضب من الإدارة الأمريكية التى لم تسارع إلى تأييد الحكم الحالى بحجة أنه أسقط حكما انتُخب بطريقة ديمقراطية ومن خلال انتخابات حرة. وكذلك بسبب تعليق الإدارة قسما من مساعداتها العسكرية لمصر ردا على ما جرى. ودفع هذا الغضب المصريين إلى إجراء، اتصالات استثنائية مع روسيا. وتجلى ذلك فى نهاية 2013 ومطلع 2014 عندما زار وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان القاهرة، وقام نظيراهما المصريان بزيارة إلى موسكو. وظهرت تقارير تحدثت عن صفقة سلاح كبيرة ومهمة يجرى الإعداد لها بين البلدين. وحتى الآن لم تظهر أى تأكيدات رسمية لهذه الصفقة، ويبدو أن كل هذا التحرك كان بهدف إظهار الاستياء المصرى من التصرف الأميركى. الآن وبعد انتخاب السيسى للرئاسة، فإن الاحتمال الأقوى هو عدم توقيع صفقة سلاح كبيرة بين مصر وروسيا، لكن من المحتمل قيام تعاون عسكرى محدود بينهما. وفى جميع الأحوال، فإن المفتاح لما سيجرى فى هذه المسألة هو ما ستفعله الإدارة الأمريكية من أجل تسوية الأمور مع القيادة المصرية. وفى الختام، انتخاب السيسى هو الإمكانية الأفضل بالنسبة لإسرائيل. وبالتأكيد، فإن حكمه أفضل من حكم الإخوان الذين يقفون موقفا معاديا من إسرئيل. كما أن خصمه، حمدين صباحى، أعرب عن تحفظه تجاه إسرائيل ودعمه لحركة «حماس».
فى مقابل هؤلاء، فإن السيسى يعتبر السلام مع إسرائيل رصيدا استراتيجيا لمصر، وهو لا يشكك بأهميته وأعرب صراحة عن احترامه له. ومن خلال عمله كرئيس للاستخبارات ووزير للدفاع، يدرك السيسى الفوائد الكامنة فى التنسيق العسكرى مع إسرائيل، وكان أعرب عن اهتمامه بتعديل الملحق العسكرى لاتفاقية السلام من خلال التفاهم مع إسرائيل كى يسمح لمصر بتعزيز سيطرتها على سيناء، وزيادة قدرتها على مواجهة الهجمات الإرهابية وتهريب السلاح إلى شبه جزيرة سيناء. كما يعتبر السيسى «حماس» تنظيما إرهابيا له علاقة بالإخوان، ويمكننا افتراض أنه سيواصل منع أعمال تهريب السلاح من سيناء إلى قطاع غزة. ويعد النهج الذى ينتهجه السيسى بالمزيد من التفاهم والتنسيق مع إسرائيل فى المجال الأمنى. فمن هذه الزاوية، حسنا فعلت إسرائيل عندما سمحت لمصر بوضع قوات مصرية فى سيناء تتعدى ما نُصّ عليه فى اتفاقية السلام، وكذلك عندما تحركت لدى الإدارة الأمريكية من أجل تقليص الاحتكاكات بينها وبين الزعامة المصرية.