فى الأسابيع الأولى للثورة السورية كان السوريون يتناقشون حول امكان قيام ثورة شعبية فى سوريا على غرار الثورات التونسية والمصرية، وكان الرد الذى غالبا ما نسمعه هو ان الثورة غير ممكنة، لأن النظام لن يترك السلطة إلا بعد أن يحرق ويدمر البلد وان الناس لن تنزل إلى الشارع باستثناء بعض الشبان الهائجين، لأن النظام مستعد حتما لارتكاب مجزرة أخرى مثل مجزرة حماة. لقد مات عشرات الآلاف من سكان حماة اثناء المجزرة التى ارتكبها النظام بقيادة الأب فى عام 1982 وبقيت حماة كلمة السحر بالنسبة للسلطة يهمسها السوريون بين بعضهم البعض لمجرد التأكيد على أن التغيير دون الموت الجماعى ليس واردا.
نقل أخيرا عن لسان الرئيس المترنح بشار أنه يقول: «كنت متحمسا فى بداية عهدى لبناء علاقة مع الشعب مختلفة عن تلك التى أقامها والدى واعتقدت أننى قد أنجح فى بناء شعبية لنفسى عند الشعب لكن والدى كان على حق عندما قال لى إنه ليس لدينا سوى الخوف فى علاقتنا مع الشعب، لأن الخوف يشكل الرادع الوحيد لمنع الشعب من ان ينقلب ضدنا».
كى يكون للردع مفعوله المطلوب يجب استخدام العقاب غير المتكافئ بشكل منهجى لتلقين الشعب بأكمله درسا حتى يمتنع عن مجرد التفكير بتحدى السلطة.
الخلاف فى النقاش لم يكن حول الرغبة فى تغيير النظام لكنه كان حول قدرة النظام على ارتكاب جريمة جديدة بحجم مجزرة حماة ام لا، وذلك على المستويين الامنى والسياسى.
الاغلبية الصامتة فى سوريا هى إذن أغلبية خائفة ولم يعد من الممكن اعتبارها مترددة فى رغبتها بزوال النظام. العائلات تنقسم وأهل يغضبون على اولادهم وإخوة يختلفون بين بعضهم ليس بين مناهضين ومعادين للنظام بل بين الخائفين على أرواح أبنائهم وبناتهم وإخوتهم وبين الشجعان الذين يريدون استعادة الوطن والكرامة لأنفسهم ولأهاليهم.
اليوم عادت آلة القمع بأوامر واضحة وهى إخضاع حماة مرة اخرى بأى وسيلة دون اى اعتبار إلى ان حماة تظاهرت بالطرق السلمية فى الاسابيع الأخيرة ومازال سكانها متمسكين بالطابع السلمى للثورة يقاومون العناصر المسلحة التى تظهر من حين إلى آخر فى مناطق معينة.
يستعد الجيش والامن إلى اقتحام المدينة بعد ان كانوا قد اعتقلوا مئات من اهل المدينة وخطفوا اطفالا وقتلوا المتظاهرين بشكل عشوائى.
وبما ان الشعب يبقى متمسكا بمبدأ عدم التدخل العسكرى الخارجى فالرهان إذن يقع على باقى المدن والقرى السورية ان تحشد طاقاتها دفاعا عن حماة فى الايام المقبلة. أهل المدينة الثائرون اليوم معظمهم ابناء الرجال الذين قتلوا على أيدى الجيل الأب لعائلة الأسد. بقى النظام ينعم باستقرار على مدى العقود الثلاثة الاخيرة بعد ان ظن انه جعل من حماة مقبرة لأى معارضة لكنه يبدو أن أهل حماة مصممون هذه المرة على جعل المدينة مقبرة النظام.