أولًا: العواقب:
1. هل تذكرون مزارع شبعا التى تقع فى لبنان على الحدود مع الجولان السورية؟ لقد رفضت إسرائيل الانسحاب منها بحجة أن هناك نزاعًا بشأنها بين سوريا ولبنان، وأنه لا يمكنها الانسحاب منها فى نطاق انسحابها من لبنان خشية أن يحسم الأمر لصالح سوريا.
فلو كان عند إسرائيل ذرة شك فى تبعية جزيرة تيران لمصر ولو واحد فى المليون، لما وافقت على إدراجها فى معاهدة السلام ضمن المنطقة (ج) من سيناء حيث تظهر تيران بنفس اللون الأصفر لشبه جزيرة سيناء وينطبق عليها كل البنود الواردة فى الملحق العسكرى للاتفاقية.. كانت فرصة العمر عند إسرائيل أن تدعى عدم قدرتها على الانسحاب من تيران ذات الأهمية الاستراتيجية القصوى إذ أن من يتحكم فيها يتحكم فى الملاحة فى مضيق تيران وهو الجزء الوحيد الصالح للملاحة فى مدخل الخليج.. وكان بإمكانها المطالبة بتأجيل البت فى هذا الموضوع لحين اتضاح حقيقة الأمر، ولكنها لم تفعل بالرغم من أنها هى التى أزالت العلامات المحددة لحدودنا مع فلسطين خاصة العلامة (91) لتخدم ادعائها بتبعية طابا لها.
خطورة التنازل عن تيران بالذات أنها لا تبعد عن ساحل سيناء سوى ثلاثة أميال فإذا ما سيطرت عليها قوة معادية غير عربية فإن ذلك يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومى المصرى، كما أن هذه القوة ستصبح الآمر الناهى فى الخليج الذى كان يوما بحيرة عربية.. لا أستبعد أن تدعى إسرائيل فى المستقبل أن السعودية غير قادرة على الوفاء بالالتزامات المنصوص عليها فى معاهدة السلام، وقد تثير مشكلة استنادًا إلى أن السعودية لا زالت ــ من الناحية الفنية ــ فى حالة حرب مع إسرائيل، وتقوم بالضغط على السعودية إما أن تعقد معها معاهدة سلام كاملة وإما أن تتولى إسرائيل حماية المضيق البحرى المهم.. ويلاحظ فى هذا الصدد الرسالة الخبيثة التى وجهها ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلى الصهيونى المتطرف والتى هنأ فيها الجيش الإسرائيلى بفقدان مصر السيطرة على مضيق تيران.
2. تيران مصرية 100%.. فكما قال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إنه إذا كان القانون الدولى يحدد المياه الإقليمية بثلاثة أميال فهى مصرية.. بستة أميال فهى مصرية.. بـ12 ميلًا فهى مصرية.. يقولون إن قانون البحار ينص على أنه إذا كانت المساحة لا تسمح فيتم الأخذ بخط المنتصف.. تيران هى الأقرب للساحل المصرى.. وصنافير هى الأقرب للساحل السعودى.. فأى خط منتصف منصف يجعل تيران فى الجانب المصرى.
3. وحتى إذا نحينا كل ذلك جانبًا فإن وضع اليد يسرى بين الدول كما يسرى بين الأفراد.. وضع اليد المستقر لمدة 67 عامًا.. بافتراض جدلًا أنه بدء بدخول القوات المصرية للجزيرة عام 1950 بغرض إغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية وهو حق من حقوق الدول المحاربة (مذكرة المستشار والفقيه القانونى الكبير الدكتور/ وحيد رأفت الذى كان يشغل منصب مستشار الرأى لوزارة الخارجية فى عام 1950 والتى أوصى فيها بإغلاق الخليج عن طريق وضع قوات فى جزيرة تيران التى تتحكم فى المضيق البحرى).
أقول.. وضع اليد المستقر.. لأن السعودية لم تُثر أى اعتراض جدى طوال هذه السنوات بل على العكس.. عندما تم الاتفاق على بناء الجسر الذى يربط بين البلدين فى أول اجتماع للجنة المصرية السعودية المشتركة فى فبراير 1988 بعد عودة العلاقات.. وعندما قامت إسرائيل بمطالبة السعودية بالتعهد بنفس الالتزامات التى تعهدت بها مصر فى معاهدة السلام، سارعت السعودية بالتراجع وكأنها تقول لا شأن لنا بتيران والمضيق.
لا شك أن التنازل عن الجزر ــ لا سيما تيران الملاصقة للساحل المصرى ــ ترك غصة فى قلوب المصريين وزرع بذور فتنة بين الشعبين.. يجب تداركها.
ثانيا: المخرج:
ــ معظم منازعات الحدود الآن تحل عن طريق تحويل المنطقة المتنازع عليها إلى منطقة تعاون اقتصادى مشترك، وإنشاء الجسر فى هذه المنطقة يسهل اللجوء إلى هذا الحل بل يجعله ضرورة، فلتظل السيادة لمصر على تيران فقط ولتتحول إلى منطقة تعاون اقتصادى مشترك.. وهناك أمثلة كثيرة لحل المنازعات بهذا النمط.. من بينها جزر خليج فونسيكا فى أمريكا اللاتينية.. والمنطقة الحدودية بين إندونيسيا وبابوا غينيا الجديدة.. إلخ.
ــ وأخيرًا.. وبعيدًا عن العواطف وبتحكيم المصالح.. أتمنى أن تعيد السعودية النظر فى الأمر وتقارن بين الفوائد والمضار.. التعاون المشترك الذى يدعم أواصر الأخوة والمصالح المشتركة.. أم المضى فى الأمر وترك البركان الذى يغلى تحت الرماد.. لقد خدمت فى السعودية كسفير لمصر وأعلم مدى عمق المشاعر الطيبة والقناعة التى لا تتزعزع لديهم بأن أمنهم وأمن الخليج وأمن البحر الأحمر لا يتحقق إلا بالعلاقات الراسخة بين الشعبين.
ــ وأناشد السيد الرئيس أن يطرح على الأخوة فى السعودية خيار التعاون المشترك.. وكفى الله المؤمنين شر الخلاف.