هالتنى حملات السخرية التى اشتعلت بها مواقع التواصل الاجتماعى وتورطت فيها بعض الصحف والمواقع ضد بعض السائحين أو المصطافين المصريين، الذين ربما وجدوا فى فترة الركود التى يتعرض لها الموسم السياحى فى مصر بعد حادث سقوط الطائرة الروسية، فرصة مواتية لزيارة مناطق فى بلدهم لم تتح لهم الفرصة لزيارتها من ذى قبل، وظلت معرفتهم بها طيلة السنوات الماضية مقصورة على بعض البرامج التليفزيونية، وعلى رأس هذه المناطق شرم الشيخ والغردقة وبقية المنتجعات السياحية الواقعة على البحر الأحمر.
العصب الرئيسى الذى قامت عليه حملات السخرية من المصطافين المصريين تمثل فى إغراق مواقع التواصل الاجتماعى بصور مسيئة لبعض السيدات والرجال وهم فى المنتجعات والفنادق، تظهرهم كمن لا يجيد آداب الجلوس على الشط، أو يرتدى ملابس بعيدة تماما عن ملابس البحر التقليدية، أو حتى ما اصطلح عليها «الشرعية» إذ استبدلوها بـ«الجلاليب والعباءات»، فضلا عن التزاحم الرهيب على «البوفيه المفتوح»، مع نشر الملابس على الشرفات.
ما يزيد من الوجع جراء نشر هذه الصور المسيئة من دون استئذان أصحابها من قبل بعض العاملين فى هذه الفنادق والمنتجعات، أن الكثير من هؤلاء العاملين فى هذه الأماكن من محدودى التعليم، ومن أصول ريفية، ربما لم تدخل الكهرباء إلى قراهم إلا قبل عامين أو ثلاثة! وساقتهم المصادفة للعمل كـ«بيتش بوى» beach boys أو «بار مان» bar man، فالتقطوا كلمة روسية أو إنجليزية من هنا وهناك وصاروا ينادون رئيسهم بـ«مستر فلان»؛ فظنوا أنهم بذلك باتوا يملكون ناصية الحضارة وقمة «الإتيكيت»، ومنحوا أنفسهم حق انتقاد الناس والسخرية منهم، رغم أن جهة ما لم تحصنهم ضد إتيان بعض السلوكيات بالإرشادات والتعليمات الخاصة بالإقامة فى هذه المنتجعات.
إدارات الفنادق هى الأخرى دخلت على خط السخرية والشكوى فى حالة استعلائية تثير الأعصاب بانتقادهم الناس البسطاء من دون أن يقولوا لنا: ما هو الجهد الحقيقى الذى قاموا به لتعريف الناس بقواعد الإقامة فى هذه المنتجعات قبل دعوتهم لزيارتها بأسعار لا نبالغ إذا قلنا إنها زهيدة فى محاولة لإنقاذ الموسم الذى يهدد ركوده إغلاق منشآتهم السياحية. للأسف لم يقدموا شيئا، وهيئة تنشيط السياحة التى أطلقت حملات لتشجبع السياحة الداخلية لم تقم بأى دور فى هذا الخصوص هى الأخرى.
أما أولئك الشباب الذين نصبوا حفلات السخرية من هؤلاء البسطاء، الذين أكرر أن أحدا لم يتح لهم فرصة التعلم والنصح والإرشاد، فأقول لهم: يا أيها «البهوات» إن هؤلاء الناس بسطاء لم يولدوا وفى أفواههم ملاعق من ذهب.. ولكن ماذا عنكم أنتم: تذكر يا بيه منك له أى فرح كبير أو مناسبة أو فعالية ثقافية رفيعة يحضرها كبار المثقفين والمسئولين.. ألا تجدون نفس التدافع والشره فى التعامل مع البوفيه المفتوح؟ والله إنه ذات التدافع وذات الشره.
وفيما يخص الإقامة فى الفنادق أزيدكم من الشعر بيتا. كنت فى زيارة إلى دولة أوروبية قبل عامين، وتصادف أن كانت إحدى العاملات فى قطاع تنظيف الحجرات بالفندق الذى كنت أقيم فيه مغربية الجنسية، وفى حديث لى معها قالت بأسى شديد: «يا أخى لقد صرت أخجل من سلوكيات العرب الذين ينزلون فى هذا الفندق.. إنهم يتركون حجراتهم كخرابات خلفهم دون أدنى مراعاة للنظام والنظافة.. رغم أن بعضهم يكون مسئولا كبيرا أو شخصية معروفة فى بلاده.. صرت أخجل من تعليقات زملائى على هذه السلوكيات التى صارت مقرونة بالعرب فى مخيلتهم!».
ولوسائل الإعلام التى انخرطت فى مواكب السخرية من مواطنين مصريين نقول إن واحدا من أهم أدوار وسائل الإعلام ــ كما تعلمناها ــ هو «التعليم»؛ فبدلا من السخرية من الناس قدموا لهم مواد صحفية وتلفزيونية ترشدهم لطريقة التعامل مع البوفية المفتوح، وآداب الجلوس على الشواطئ واللباس المناسب لذلك، كل حسب نسقه القيمى، فليس بالضرورة «البكينى» هو اللباس المثالى، ومن يختلف مع هذه الرؤية يحرم من الجلوس على الشط نهائيا.
علموهم وارشدوهم بدلا من السخرية منهم...