نتنياهو وخدعة التجميد - هنري سيجمان - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 5:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نتنياهو وخدعة التجميد

نشر فى : الخميس 7 أكتوبر 2010 - 10:27 ص | آخر تحديث : الخميس 7 أكتوبر 2010 - 10:27 ص

 كتب هنرى سيجمان فى صحيفة The Nation السياسية الأمريكية معلقا على التصريحات التى أدلى بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوم 2 سبتمبر فى البيت الأبيض بمناسبة استئناف مفاوضات السلام فى الشرق الأوسط قائلا إنها الدليل الواضح على عدم جديته. وقال إنه يبدو أن لا المضيف، وهى وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون، ولا أيا من الضيوف الكرام قد أدرك ذلك. بل إنهم فى الواقع أثنوا على تصريحاته.

وكان الأمر الذى حظى بالثناء هو إعلانه الدرامى وقتما كان يقف وجها لوجه مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس بأن نجاح المفاوضات يتوقف على استعداده وعباس لتقديم «تنازلات مؤلمة» من أجل السلام. وإذا كان لهذه الكلمات أية أهمية، فلابد أنها تعنى أن نتنياهو على استعداد لأن يجعل إسرائيل تقدم تنازلات فى مقابل تنازلات فلسطينية، أى أنه إذا تنازل الفلسطينيون لإسرائيل عن جزء من أراضيهم الواقعة شرق حدود 1967، فإن إسرائيل سوف تتنازل للفلسطينيين عن جزء مساوٍ لها يقع داخل حدودها.

ويعتقد سيجمان أن كل من كان موجودا فى هذا الحدث الاحتفالى فى البيت الأبيض كان يدرك أن هذه التصريحات غير حقيقية على وجه الإطلاق. فيذكّر الكاتب أن نتنياهو لم يعرض قط التنازل عن شبر واحد من أراضى إسرائيل للفلسطينيين ولا حتى جزء من الأراضى الفلسطينية التى حصلت عليها إسرائيل عام 1948 خلال حربها من أجل الاستقلال، والتى كانت وفقا لخطة التقسيم التى أقرتها الأمم المتحدة عام 1947 تخص السكان العرب الفلسطينيين. يقول الكاتب إنه فى واقع الأمر، لم يطالب أحد إسرائيل بتقديم أى تنازلات إلى الفلسطينيين سواء كانت هذه التنازلات تتعلق بالأرض أو موارد المياه أو القدس أو السيادة. ففيما يخص تلك القضايا وغيرها من قضايا الوضع النهائى الدائم، فإن الفلسطينيين هم المطالبون بتقديم التنازلات.

ولم تُطلب أى تنازلات من جانب إسرائيل. ومن ثم، يرى سيجمان، إن عرض نتنياهو بتقديم تنازلات إسرائيلية موازية ليس سوى كذبة، إلا إذا كان نتنياهو يقصد بتعبير «تنازلات مؤلمة» أن يعيد للفلسطينيين جزءا من أراضيهم - حدود ما قبل 1967- التى يقر العالم أجمع بأنها تقع تحت الاحتلال الإسرائيلى، ومن ثم تخضع للقيود المفروضة وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة التى تمنع مطلقا نقل سكان القوة المحتلة إلى تلك المناطق. وإذا كان ذلك هو ما يعنيه نتنياهو، يقول سيجمان، فإنه كان يقول لعباس إن إسرائيل تتوقع أن تُكافأ على إعادة بعض الأراضى التى انتزعتها بصورة غير قانونية من الفلسطينيين بتنازل من جانب الفلسطينيين عن حقهم فى كامل أراضيهم.

يقول سيجمان إنه لعله من قبيل الإنصاف أن نقول إن نتنياهو بحصوله على إشادة الضيوف الكرام بهذه التصريحات، يكون قد قدم للسلام الدولى ما قدمه برنارد مادوف إلى الأسواق المالية.

وأشار الكاتب إلى أنه من المفارقات أن حزب الليكود الذى يترأسه نتنياهو استطاع ترويج شعار أن الفلسطينيين «يأخذون ويأخذون» بينما تقدم إسرائيل الكثير من «التنازلات» التى لا يعترف بها أحد. فقد أصبحت تلك الكذبة مترسخة بعمق فى الخطاب القومى الإسرائيلى. لكن الفلسطينيين قدموا لإسرائيل تنازلات غير مسبوقة: ففى عام 1988، وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على الإقرار بشرعية السيادة الإسرائيلية داخل حدود اتفاق الهدنة التى وُقع عام 1967، وهى المنطقة التى تتضمن نصف الأراضى التى أقرت الأمم المتحدة فى خطة التقسيم لعام 1947 بأنها أراضى إرث مشروع للعرب الفلسطينيين كما سبقت الإشارة من سيجمان.

 
ويضيف أنه فى وقت سابق من هذا العام، صدر أول اعتراف علنى من جانب حكومة إسرائيل بهذا التنازل الفلسطينى غير المسبوق (غير مسبوق لأنه كما أشار قرار مجلس الأمن 242، غير مسموح الحصول على أراضٍ عن طريق الحرب، أيّا ما كانت هوية الطرف المعتدى) على لسان شيمون بيريز، دون قصد. فعندما طالبه البعض بالدفاع عن ادعاءاته بشأن أهمية اتفاق أوسلو (الذى حصل بسببه على جائزة نوبل للسلام) قال «قبل أوسلو، كان حجم الدولة الفلسطينية يجب أن يتحدد بناء على الخريطة التى أقرتها الأمم المتحدة عام 1947. ويضيف أيضا سيجمان أنه فى أوسلو انتقل عرفات من خريطة 1947 إلى خريطة 1967، فتنازل على 22% من الضفة الغربية. وأضاف قائلا «إننى لا أعرف زعيما عربيا بإمكانه التنازل عن 2 أو 3%.

لكن عرفات قدم 22%» وفى حديثه عن التنازلات قال سيجمان إنه بدلا من إقرار بيريز بأن التنازل المذكور كان تنازلا مؤلما للغاية قدمه الفلسطينيون من أجل السلام، وصفه بأنه «إنجازنا ــ يقصد نفسه ــ الأكبر». وليس غريبا أن هذا التصريح لم يضع نهاية للافتراءات التى يروجها إيهود باراك وقادة إسرائيليون آخرون بأن نية ياسر عرفات الحقيقية كانت الحصول على قطع من الأراضى الإسرائيلية إلى أن يجرى إزالة إسرائيل تماما. وكرر هذا الاتهام مؤخرا موشيه يعلون، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلى وزير الشئون الاستراتيجية، حينما كال الاتهام نفسه إلى الرئيس عباس.

وفـــى ظل تلك الظـــــــروف ــ يؤكـــــد سيجمان ــ يصبح الاستمرار فى محادثات السلام الثنائية وفقا لشروط نتنياهو مضيعة للوقت. فحتى إذا وافق على معاودة «تجميد» الاستيطان وكان قرار التجميد قد انتهى سريانه فى 26 سبتمبر فإن بناء المستوطنات سوف يستمر، كما استمر خلال شهور تجميد الاستيطان العشرة بالوتيرة نفسها التى كان عليها فى الفترة السابقة على ذلك، وفقا لمكتب الإحصاء المركزى.

فبدلا من ذلك، يعتقد كاتب المقال أنه يجب على الرئيس عباس أن يتحدى نتنياهو بالإصرار على ضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وأن يطالب نتنياهو بإعلان استعداده لذلك، حتى إذا استمر بناء المستوطنات. لكن نتيناهو سوف يتعهد بأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حول الحدود فى غضون الأشهر الثلاثة، فسوف يجرى وقف الاستيطان بصورة كاملة لحين التوصل إلى اتفاق. وبعد التوصل إلى اتفاق، يمكن لإسرائيل أن تقوم بلا قيد بالبناء داخل حدودها، بينما يقوم الفلسطينيون بالبناء بلا قيد داخل حدودهم.

وبالرغم من أنه من المستبعد أن يوافق نتنياهو على ذلك، يؤكد سيجمان أن رفضه لهذا العرض الذى قدمه عباس سوف يفضح نواياه حول استغلال عملية السلام كغطاء لمساعى حكومته لجعل المشروع الاستيطانى الإسرائيلى أمرا لا يمكن الرجوع عنه. كما أن هذا الرفض سوف يؤكد زيف تأكيدات نتنياهو بالالتزام بدولة فلسطينية قابلة للحياة.

 
يقول الكاتب إنه من سوء الحظ لا يوجد حل ناجع ولا حتى ضوابط برعاية أمريكية يمكن أن تضمن تحقيق هدف «دولتين تعيشان جنبا إلى جنب فى سلام وأمن». ويضيف قائلا إن المسار الذى يتبناه الرئيس أوباما فى الوقت الراهن يعوق تحقيق هذا الهدف. فيجب عليه بدلا من ذلك قيادة مبادرة دولية لتحديد معالم الاتفاق الإسرائيلى الفلسطينى، الذى يستند بحزم إلى القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة السابقة، ويشجع على تحقيق مصالحة سياسية بين فتح وحماس والأطراف الفلسطينية الأخرى.

 

وإذا لم يكن بوسع أوباما قيادة هذه العملية، فيدعو الكاتب أطرافا أخرى فى المجتمع الدولى إلى أن تقوم بذلك، وأن تتأكد من أن أمريكا على الأقل لن تقف فى طريقها.

هنري سيجمان  رئيس مشروع الولايات المتحدة و الشرق الأوسط
التعليقات