لمن أسلم قيادى؟ - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لمن أسلم قيادى؟

نشر فى : الخميس 7 نوفمبر 2019 - 10:40 ص | آخر تحديث : الخميس 7 نوفمبر 2019 - 11:04 ص

في عالم شديد التقلب والاضطراب تتعقد المسارات، مسارات الأفراد والدول على حد سواء.  أنا غير واثق تماما من أن الغالبية العظمى من شباب هذه الأيام مطمئنون بدرجة كافية إلى الخيارات التي استقروا عليها لمستقبلهم. بل وأشك شكوكا لها ما يبررها على أرض الواقع في أن الغالبية العظمى من قادة الدول والمعارضين لهم مرتاحون لما يفعلون، إلا نفرا قليلا غير مدرك ذهنيا أو صحيا نتائج ما فعل ويفعل. كثيرون، ويزدادون، من صانعي القرارات على مستويات شتى، أصبحوا بالفعل عاجزين عن إصلاح ما فسد على أيديهم فوق ما فسد على أيدي السابقين.

 سمعت سياسيا لبنانيا يعترف بمسئوليته عما آلت إليه الأحوال وصار عليه الوضع في بلد كانت إلى عهد قريب الحضن الدافئ لجيل بعد جيل من شباب العرب ومفكريه وقادة الرأي فيه. يقول إنه يتحمل نصيبا من المسئولية لأنه انضم بمطلق إرادته إلى حكومة كان يعلم أنها لن تحل معضلة ولن تخطو خطوة واحدة نحو تقدم أو ما شابه التقدم . دخل وهو يعلم أنه لن يسهم في أي تغيير إيجابي، يعتقد أيضا أنه في كل الظروف لا هو ولا جماعته ولا حلفاؤه في الداخل وامتداداتها في الخارج كانوا قادرين على رؤية الأبنية تتصدع من حولهم، غاب عنهم، وهو واحد منهم، أن يسألوا لمن سنسلم قيادنا نحن اللبنانيون. لمن في الخارج ولمن ينوب عنه في الداخل. "لم نسأل وقتها حتى فاجأتنا الجماهير من ساحاتها وشوارعها بالسؤال نفسه، ولم نجد  حتى الآن جوابا".

                        •••

 كنت مقتنعا على امتداد سنوات ما بعد انفراط نظام القطبين أن واشنطن سوف تتخبط  في سياسات وقرارات متناقضة أو غير ناضجة إلى أن يأتي وقت تستقر فيه الأمور على وضع جديد يتناسب وواقع القوة هناك عند القمة. تخبطت واشنطن وكان دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ثمرة هذا التخبط وتعميقا له وتوسيعا في آن واحد، وما يزال الوضع هناك عند القمة غير مستقر تماما. يكفي أن نكرر ما يقال أنه يتردد في دهاليز بيت الشعب في بكين. يتردد أن الصين راضية، ولا أقول مكتفية، بما وصل إليه الحال عند القمة. "الصين راضية بأن تكون القطب الثاني في نظام قمة دولية لا قوة أخرى تحتل فيه مقعد القطب الأول". أستطيع بجهد غير قليل أن أتفهم المنطق الذي تستند إليه هذه العبارة. هذه العبارة مثل غيرها من الألغاز الصينية لغز يلخص هدفا ويرسم طريقا. يخرج في الوقت نفسه من يرى أن مستقبل  التوازن عند القمة الدولية يزداد تعقيدا وغموضا بوجود شخص الرئيس ترامب في البيت الأبيض. هناك من يعتقد، وأنا مثلهم أعتقد، أن أزمات السياسة الخارجية الأمريكية زادت برئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة. سمعت من يردد أن شخصية ترامب وتركيبته النفسية ورؤيته لنفسه رئيسا مختلفا لأمريكا هي واحدة من أهم أزمات السياسة الخارجية للولايات المتحدة. أهتم جدا بهذا الرأي الذي يقال أنه يتردد في بعض دوائر البحوث ومراكز العصف الفكري. أهتم به لأنه يفسر بعض الشيء  أوضاع  انحدار تحالفات أمريكا الخارجية وبخاصة في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. حلفاء ينسحبون واقعيا، وحلفاء لا يلتزمون، وحلفاء يخونون، وحلفاء متشككون في سلامة القرارات الصادرة عن حلف تقوده الولايات المتحدة ممثلة في شخص مرتبك التصرفات مثل دونالد ترامب. يبقى السؤال اللاحق بالضرورة متعلقا باستمرار ترامب لولاية ثانية ، بمعنى آخر استمرار وضع الأزمة في منظومة السياسة الخارجية الأمريكية وبالتالى أزمة النظام الدولي في حالته العرجاء الراهنة.

                         •••

أشفق، ولا يجب أن أشفق، على حال غالبية نساء ورجال امتهنوا السياسة في دول العالم النامي. أقول غالبية ولا أقول "كلهن كما في العامية اللبنانية" لنقص في المعلومات. هؤلاء بالفعل وليس فقط بالقول يمرون بمحنة لها وجهان.. وجه يعلن بوضوح سلمي في حالات قليلة ووجه دموي يعلن في حالات أكثر وبوضوح أيضا، وبصراحة أن الشعوب "زهقت من كثرة المطالبات وندرة الاستجابات وكلفة الإنجازات إن وقعت". علمتنا الشعوب ونحن صغار أنها إذا زهقت صرخت، وإذا لم يستجب السياسيون انحنى المتظاهرون ليلتقطوا أحجارا يرمونها من بعيد لتصيب رموز السلطة، فإذا استمر غياب الاستجابات وامتنعت الإنجازات ستفكر الشعوب في تصرف آخر لأنها عندئذ  تكون قد فقدت آخر قطرة من ثقة كانت تغذي علاقتها بالسياسة والحكم.

                      •••

أعرف أشخاصا في السلطة في أكثر من دولة في الشرق الأوسط اجتمعوا على معنى واحد متضمن في السؤال التالي "وماذا يمكن أن نفعل ونحن جميعا، في العالم العربي مثلا،  عاجزون عن اختيار الدولة الكبرى في الإقليم أو في العالم الخارجي، أو اختيار حلف إقليمي أو دولي، حتى نسلمها أو نسلمه مقاليد قيادتنا. إنها لحقيقة لا تخفى أن أزماتنا الداخلية بما فيها المتسببة عن عجز الاستجابة لمطالب شعوبنا  والتهديدات لأمننا الخارجي تتحدى جميعها قدراتنا الذاتية. إنها لحقيقة أخرى لا تخفى أن أغلب السياسيين في الشرق الأوسط لا يثقون بعضهم في البعض الأخر، وبالتالي لن يسلموا قيادهم لحلف إقليمي يحمي دولهم من عدوان الأغراب من خارج الشرق الأوسط. 

أستطيع أن أفهم وأشفق قليلا. من منا يستطيع اليوم أن ينبئ الجميع، مفكرين وسياسيين وإعلاميين، عن مستقبل السياسة الأمريكية تجاه دولتنا ومصالحنا خلال فترة الولاية الثانية لرئيس أمريكي لا أحد في هذا العالم يثق في اتزان أو رشادة تصرفاته حتى  تجاه أقرب حلفاء أمريكا. من منا، أيا كان موقعه، يستطيع أن ينصح السياسيين في بلده أن يستجيبوا بلا تردد أو بتمنع لا يخفى لاغراءات كل من روسيا والصين "أن تعالوا إلى أحضاننا أو سيروا على طرقنا لنبني معا علاقة غير متكافئة تذكركم بعصر الاستعمار ولكنها تذكرنا بعصورنا الإمبراطورية. كلانا استفاد".                     

 

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي