البريد المصرى أو «البوسطة» كما كانوا يسمونه فى الماضى والحاضر له تاريخ، ليس فقط تاريخا رسميا، ولكن له تاريخا فى وجدان المصريين وليس أدل على ذلك من وجود «البوسطة» فى أفلام كثيرة قديمة لأن «البوسطة» بالنسبة للقرويين فى ذلك الزمان كانت النافذة الوحيدة نحو العالم الخارجى، وهنا أقصد العالم خارج القرية وكان الناس ينتظرون الخطابات المهمة كالتعيين أو التجنيد أو الاطمئنان على ذويهم فى البندر فينتظرون هذه «الجوابات» بشغف وفرحة وعندما لم تصل كانوا يترددون على «البوسطة» يسألون عن ما تأخر عليهم أو سبب التأخير ويصابون بإحباط شديد.
تم تطور عمل «البوسطة» بفتح دفاتر التوفير بفائدة تدر عائدا على المودعين الذين اختاروا «البوسطة» لأنها أقرب إليهم مكانا وذهنيا فالبنك ظل له رهبة كبيرة عند البسطاء، فيفضلون عليه «البوسطة» الموجودة فى كل قرية والتى قدمت خدمات جليلة عبر التاريخ.
تأثرت كثيرا لخبر تفقد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أعمال تطوير وإعادة تأهيل مبنى متحف البريد المصرى التاريخى فى منطقة العتبة بوسط القاهرة، وتأكيده أن مصر لديها واحدة من أعرق مؤسسات البريد فى العالم، فهى منذ 2 يناير 1865 لافتا إلى أنه مع التطورات المتلاحقة فى مكاتب البريد والتحول الهائل فى عدد الخدمات التى يؤديها أصبح لازما عدم نسيان التاريخ الطويل لهذه المؤسسة العريقة.
وأشار الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلى أن أعمال الترميم بدأت العام الماضى، فى إطار الحفاظ على أصول الدولة ومبانيها التراثية، وتم تأهيل المبنى وتطويره ومضاعفة المساحة المخصصة للمتحف لـ٧ آلاف متر مربع، لكى يصبح المتحف منظومة ثقافية، وتاريخية، وترفيهية متكاملة فى قلب مدينة القاهرة، مشيرا إلى أن أهمية هذا المبنى تنبع من كونه مركز مدينة القاهرة، إذ يبدأ منه قياس المسافة من العاصمة إلى جميع محافظات الجمهورية، ويشير إلى هذه النقطة من خلال نجمة فى مدخل المبنى ومثيلتها بالطابق الأول.
صحيح أن فى أيامنا أصبحت وسائل التواصل الإلكترونية منافسة للبريد التقليدى إذ فى لحظة يستطيع الإنسان أن يرسل رسائله إلى آخرين فى دول آخرى قريبة أو بعيدة عبر البريد الإلكترونى أو البريد السريع أو غيرها من الوسائل إلا أن البريد المصرى استطاع أن يتعايش مع هذا التطور ويجدد نفسه، والفضل للقائمين عليه بعد أن مر بفترة من الركود ويقدم خدمات هامة فى أبسط مثال المخالفات المرورية وغيرها من الخدمات التى لا يثق فيها المواطن إلا فى «البوسطة» فمبروك على التجديدات.