أصدر يوكيا أمانو المدير الحالى للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى تولى بعد انتهاء ولاية د.محمد البرادعى، تقريرا حول برنامج إيران النووى مهدت له حملة إعلامية دولية واسعة النطاق وتسريبات حول اقتراب إيران من صنع القنبلة الذرية، وقد أشار فى تقريره إلى أن «هناك أدلة جديدة تشير إلى قيام إيران بأنشطة ذات علاقة بتطوير سلاح نووى»، وهذا التقرير ينقسم إلى قسمين كبيرين، أولهما يتضمن معلومات قديمة تعود إلى ما قبل عام 2003 أثناء تولى البرادعى رئاسة الوكالة ومستقاة من تقارير ومشاهدات مفتشى الوكالة وسبق أن عرضها البرادعى على مجلس محافظى الوكالة ولم ير فيها هو ولا المجلس إنها تتصل ببرنامج عسكرى بل إن المجلس أشاد بجهود البرادعى الاحترافية وغير المنحازة فى تناوله لهذا الموضوع.
أما الشق الثانى من التقرير فيستند إلى معلومات مستقاة من مصادر المخابرات الغربية والأمريكية على وجه الخصوص وهو ملىء بالتخمينات والتفسيرات والظنون وتعبيرات مثل (قد) (ويجوز) (ويحتمل) وليس تحليلا يستند إلى وقائع وحقائق.. وفى العمل الدبلوماسى، يحذر الخبراء من الاعتماد على تقارير المخابرات وحدها عند تقدير الموقف من مشكلة ما، وفى هذا الصدد يقول الخبير الأمريكى فى الشئون الإيرانية رزا ماراشى «لابد من مزج المعلومات الاستخبارية مع المعلومات المستقاة من المصادر العلنية ومن الاتصالات الرسمية ثم إخضاع الخليط للتحليل الدبلوماسى وإلا وقعنا فيما وقع فيه جورج بوش الابن عندما اعتمد كلية على تقارير المخابرات فى غزوة العراق.
وإذا كانت أمريكا مضطرة للاعتماد على تقارير المخابرات لأنها أغلقت سفارتها فى طهران منذ ثلاثين عاما، فما الذى يجعل السيد أمانو يعتمد على تقارير مخابرات الدول الغربية بينما لديه المفتشين المدربين المسموح لهم بتفتيش كافة المواقع ذات الصلة داخل إيران.. من الواضح أن أمانو تعامل مع الملف الإيرانى بدوافع سياسية وأبعد ما تكون عن الاحترافية غير المنحازة التى تعامل بها البرادعى مع نفس الملف.. ومع ذلك فإن أخطر التهم التى تضمنها التقرير هى «أنه يبدو أن إيران أجرت محاكاة بالكمبيوتر لتفجير ذرى».
وقبل صدور التقرير بنحو أسبوعين شرعت أبواق الإعلام الغربى والدوائر الصهيونية فى دق أجراس الخطر وإثارة التعاطف مع إسرائيل المعرضة للإبادة النووية والتى لا يساعدها الغرب فى اتخاذ إجراء وقائى بل لا يتركها تفعل ذلك منفردة خشية على مصالحة، فإلى متى ــ تقول الأجهزة الإسرائيلية ــ يطول الانتظار؟ فعلينا ــ أى على إسرائيل وحلفائها ــ العمل والعمل بسرعة لعدم تمكين إيران من الوصول للقنبلة.
المستجدات الثلاثة
فلماذا الآن أعيد تنشيط الملف الإيرانى بهذا الزخم الإعلامى طالما أنهم يعلمون علم اليقين أن المعلومات ليست جديدة وأن إيران لم تصل بعد إلى حدود الـ5% من تخصيب اليورانيوم (يتطلب إنتاج الكهرباء الوصول إلى 90% من درجة التخصيب).
وفى اعتقادى أن أهم المستجدات التى دفعت بالملف النووى الإيرانى إلى الصدارة الآن هى ثلاثة مستجدات.
أولهما.. الانسحاب الأمريكى من العراق الذى حسم أمره الرئيس أوباما ومن المنتظر إتمامه بحلول نهاية العام الحالى. وثانيهما.. الانتخابات الأمريكية. وثالثهما.. الربيع العربى. وبالنسبة للانسحاب من العراق، فقد تعرض أوباما ــ ولايزال ــ لهجوم شديد من الحزب الجمهورى حيث يقولون إن الانسحاب الكامل قبل جهوزية العراق من الناحية العسكرية والأمنية سيؤدى إلى تسليم العراق لإيران ــ مجانا ــ حيث ستعود أمريكا إلى شواطئها بخفى حنين وقد فقدت أكثر من أربعة آلاف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى ومئات المليارات من الدولارات، وتركت العراق لقمة سائغة لإيران.. لذلك أصبح هدف تحجيم إيران هدفا عاجلا.. فلابد من إضعافها وإرباكها بحيث تنكب على شئونها الداخلية حتى تضمن أمريكا عدم «ضياع» العراق من أيديها بعد إتمام انسحابها فى شهر ديسمبر القادم.
والانتخابات التى أقصدها هى انتخابات الرئاسة الأمريكية التى ستجرى فى نوفمبر 2012 والتى بدأت حملاتها منذ الآن وأن كانت أولى محيطاتها الرسمية الـPrimaries ستكون فى فبراير القادم، ولما كانت حرب ليبيا قد انتشلت شعبية أوباما من الحضيض فقد يؤدى إجراء حاسم ضد إيران إلى مزيد من الرضا الشعبى.
وقد كتب أوباما مقالا حول دورة أو دور أمريكا فى هذه الحرب الذى وصفه بدور القيادة من الخلف..وهى حرب لم تكلف الولايات المتحدة أى خسائر فى الأفراد أو المعدات كما أن تكلفتها لا تعادل تكلفة أيام قلائل من الوجود الأمريكى فى العراق وتفخر أمريكا بإنجازاتها التكنولوجية فى هذه الحرب ويقول الجنرال جيمس ستافريدس القائد الأعلى للقوات الأمريكية فى أوروبا. «إن أمريكا هى التى حددت للناتو الستة آلاف هدف التى قام بقصفها فى ليبيا تحديدا دقيقا لم يشهد التاريخ العسكرى له مثيلا وقد أدى هذا «النجاح» الذى لم يكلف أمريكا كثيرا إلى ارتفاع شعبية أوباما ولذا فهو يتطلع إلى المزيد لدعم فرصته فى الانتخابات الرئاسية القادمة».
وبالنسبة للربيع العربى فإن الثورات العربية جعلت الجيوش العربية مثقلة بأعباء داخلية أما لإدارة شئون البلاد كما هو الحال فى مصر أو لانخراطها فى قتال داخلى كما هو الحال فى سوريا.. لذا فلا يخشى ردود أفعال عربية ذات وزن إذا ما قامت إسرائيل ــ منفردة أو مع الولايات المتحدة ــ بعمل عسكرى ضد إيران ومع ذلك فأننى أعتقد أن الخيار العسكرى مستبعد وأن البديل المتاح هو تشديد العقوبات الاقتصادية بحيث تشمل مقاطعة البنك المركزى الإيرانى مما يشل حركة التبادل التجارى والتحويلات النقدية وعائدات البترول، وإذا تعذر ذلك فى مجلس الأمن بسبب معارضة روسيا فهناك الاتحاد الأوروبى والدول الحليفة لأمريكا، واعتقد أن هذا هو ما تفضله الإدارة الأمريكية، ولكن الكونجرس الأمريكى ونتنياهو يواصلون الضغط فهل تخضع الإدارة الأمريكية لهذه الضغوط بالرغم من أن قرار الحرب يعرض المصالح الأمريكية والغربية لأخطار وأضرار عديدة. فلو تعرضت المنشآت النووية الإيرانية لضربة أو ضربات صاروخية فمن المؤكد أن إيران سترد بضرب إسرائيل بالصواريخ كما ستنطلق الصواريخ من حزب الله فى لبنان ومن حماس فى غزة مما سيستوجب ردا من إسرائيل كما قد يتعرض مضيق هرمز لإغلاق الأمر الذى سيربك سوق البترول العالمية وستنشأ أزمة طاقة كبيرة خاصة وقد بدأ فصل الشتاء كما سيضطرب الاقتصاد العالمى المنهك جراء الارتفاع الكبير الذى سيحدث فى أسعار البترول، وفى النهاية لن تحقق الضربات الصاروخية أهدافها لانتشار المنشآت النووية الإيرانية فى عدد كبير من المواقع، وكل ما قد تحققه هو تأخير البرنامج النووى الإيرانى بعض الوقت وتصميم إيرانى لم يكن موجودا من قبل على إنتاج السلاح النووى.
غزة وسيناء
وأخيرا فعلينا أن ننتبه إنه إذا تحقق هذا السيناريو الحربى فإن الرذاذ قد يصيبنا فى سيناء المكشوفة وغير المؤمنة والتى يفجر فيها أنابيب البترول المسلحون وقتما شاءوا (تسعة تفجيرات منذ فبراير الماضى) فمن شبه المؤكد أن غزة ستتعرض لعدوان إسرائيلى وذلك قد يدفع حماس إلى اللجوء إلى سيناء لاتخاذ ملاذات آمنة فيها لشن هجمات على إسرائيل.
لقد طالبت أكثر من مرة على صفحات الصحف وفى مذكرة قدمتها لوزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط منذ عدة سنوات بضرورة استخدام حق مصر المنصوص عليه فى اتفاقية السلام لمراجعة الترتيبات الأمنية والقيود المفروضة على وجود القوات المصرية فى سيناء خاصة فى المنطقة ج المجاورة للحدود.. لقد كان المفروض أن تتم المراجعة بعد خمس سنوات من التصديق على المعاهدة حيث كان هذا هو مطلب مصر فى البداية، ولكن مضى الآن ما يزيد على الثلاثين عاما دون مراجعة رسمية.