كيف تتمزق الأوطان؟ - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
السبت 11 يناير 2025 4:41 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف تتمزق الأوطان؟

نشر فى : السبت 8 يناير 2011 - 9:08 ص | آخر تحديث : السبت 8 يناير 2011 - 9:08 ص

 تتفسخ الأوطان وتتمزق عندما تشتعل فيها الخلافات العرقية والمنازعات الطائفية والعصبيات الدينية والقبلية، وعندما تعجز النخب الحاكمة فيها عن أداء دورها فى إقامة كيان متآلف، يصنع نسيجا متماسكا قويا يربط بين الجماعة برباط وثيق لا تنفصم عراه ولا تتوزع ولاءاته.

ومن الصدف الغريبة أن تقع مذبحة الإسكندرية التى ضربت الوطنية المصرية فى أعز ما تملك، وأحدثت جرحا عميقا فى النفوس، فى ذات اللحظة التى كان العالم العربى يشهد فيها تساقط السودان وانقسام شعبه بأسف وحزن، يضاعف منه موقف عجز كامل عن إنقاذ وحدته من الانهيار بين شمال وجنوب.. وذلك تحت ضغط خلافات عرقية ودينية، ومنازعات قبلية واثنية، ظلت تمور وتغلى تحت السطح حتى تفجرت ووضعت مصير الشعب السودانى فى كف القدر، بعد أن فشلت جماعة البشير فى الحفاظ على وحدة تقوم على التنوع والتعدد!

لقد حرص كثير من المسئولين على استبعاد البعد الطائفى من حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، خصوصا فى ضوء ما اتسمت به العملية الغاشمة من درجة عالية من التدبير وما أسفرت عنه من ضحايا. وكان هناك إصرار بأن أصابع أجنبية هى التى ارتكبت الحادث. وذلك بقصد إلقاء اللوم على جهة أجنبية وتبرئة الأوضاع الداخلية وما صاحبها من احتقان طائفى نجم عن السياسات القاصرة والجمود الشديد فى علاج مشاكل الأقباط ومطالبهم. ومما يؤسف له أن آفة الابطاء والتردد فى مواجهة المشكلات التى تبدأ هينة بسيطة ثم تصبح معقدة مستعصية، تكاد تكون مرضا مزمنا فى بلادنا لا يصلح معه حسن النوايا ولا العلاجات المتأخرة.

غير أن الإصرار على إعلاء شأن العامل الخارجى فى تدبير وتنفيذ هذه الجريمة الشنعاء، يدعونا إلى التساؤل: لماذا نحن بالذات الذين تجد الأصابع الأجنبية طريقها إلينا؟ ولماذا نترك جبهتنا الداخلية عرضة للاختراق؟ ولماذا تظل معظم المشاكل معلقة ولا تجد طريقها إلى الحل؟!
وحتى إذا كانت هناك أصابع خارجية مثل القاعدة أو غيرها، فهى على الأرجح لا تعمل وحدها، وتستغل ظروفا داخلية تتمثل فى حالة الاحتقان العام.. وفى تيار جامح يتجه إلى «تديين» كل شىء ولا يعبأ بالإساءة إلى فئات من المجتمع تشعر بالظلم وعدم المساواة.. فالحديث عن المواطنة والدولة المدنية لا يتوقف، ولكن لا يجد طريقه إلى التطبيق العملى مع المسيحيين ومع غيرهم من الطوائف حتى من الشيعة والبهائيين.. بل والمعارضين السياسيين.

ومن الواضح أنه لو ثبت تورط عملاء من الخارج، فهم يستغلون نقطة الضعف التى يعبر عنها غضب الأقباط. وهو بغير شك ما أثار تعاطف العالم الخارجى ووضع مصر فى موضع حرج من مسألة الحريات الدينية. وربما كان المتوقع فى مثل هذه الظروف أن تبادر اللجان المختصة فى مجلس الشعب أو فى الحزب الحاكم إلى التقدم بحلول ومقترحات لمواجهة أبعاد الأزمة، بدلا من الاكتفاء بمواكب الاعتذار وإلقاء الخطب ووفود الإعلاميين والفنانين الذين لا يزيد دورهم على أداء واجب العزاء.

ولذلك حُقَّ للبابا شنودة أن يعبر عن تشككه فيما يراه من اغراق فى التزلف حين قال «اننى أخشى من الوحدة الوطنية المؤقتة التى تزول بانتهاء الأزمة». فقد سبق أن تكررت نفس المشاهد فى مذبحة نجع حمادى، ومضى عام دون أن يعاقب مرتكبوها. كما مضت أعوام على قانون دور العبادة الموحد. وسقط كثير من الوعود فى بحر النسيان.

لا أحد يعرف على وجه التحديد حتى الآن من هم مرتكبو الحادث الاثيم. وقد أدى تضارب أقوال المسئولين عن العثور على رأس مرتكب الحادث وأنه يحمل ملامح آسيوية أو أفغانية إلى حالة من البلبلة وإثارة المشاعر بين الأقباط أنفسهم. وساد الاقتناع بأن أصابع الجريمة من الداخل وليس من الخارج!

وبالأمس احتفل الإخوة الأقباط بعيد الميلاد وصلوا قداسه فى كنائسهم. واحتفلت معهم جموع المصريين فى أجواء كسيفة حزينة.. وهم يتمنون أن يعيده الله على مصر بالسلام والأمن والرخاء وأن تقطع أيدى الجناة وتحل مشاكل الأقباط!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات