أهمية الاكتشافات البترولية فى إسرائيل - وليد خدوري - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 1:41 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أهمية الاكتشافات البترولية فى إسرائيل

نشر فى : الثلاثاء 8 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 8 يناير 2013 - 8:00 ص

أخذت حمى اكتشاف البترول فى إسرائيل تغذى طموحات سياسية وطاقوية واسعة المدى وبعيدة كثيرا عن الواقع، فقد بدأ الكلام أولا قبل سنتين تقريبا، مع اكتشاف الغاز فى المناطق البحرية، حول تحول إسرائيل إلى دولة مصدرة للغاز الطبيعى لكل من دول الاتحاد الأوروبى وآسيا، وانتقل الكلام الآن إلى «تحول إسرائيل إلى دولة عظمى فى إنتاج الطاقة» حسب رئيس معهد الأمن القومى، عاموس يادلين، نتيجة التوقعات بانتاج النفط والغاز الصخرى من اليابسة، بالإضافة إلى الغاز البحرى.

 

•••

 

من المخطط له أن يبدأ انتاج الغاز الطبيعى من حقل «تامار» فى المياه الشمالية لإسرائيل خلال فصل الربيع المقبل. وسيشكل هذا الإنتاج تحولا مهما فى سياسة الطاقة الإسرائيلية، إذ إنه سيفسح المجال ليس فقط لاكتفاء استهلاك إسرائيل الداخلى للطاقة من مورد هيدروكربونى مهم، بل أيضا سيفتح المجال للتصدير مستقبلا. فالاكتشافات حتى الان مهمة وتدل على امكانية تحقيق هذين الهدفين: تلبية احتياجات الاستهلاك الداخلى وحتى التصدير مستقبلا. إلا أنه يتضح ان نشوة هذه الاكتشافات البحرية فى المياه الشمالية المحاذية للمياه اللبنانية والقبرصية قد صعد من طموحات إسرائيل، اذ تم التفكير والتخطيط خلال العامين الماضيين بتصدير الغاز عبر انبوب لتصدير الغاز الطبيعى إلى اوروبا، أو تسييل الغاز وتصديره فى الناقلات إلى السوق الأوروبية، بل حتى الآسيوى، أو تصدير الكهرباء مباشرة عبر كابلات إلى أوروبا. لكن رغم العشرات من المقالات والمؤتمرات حول هذه البدائل للتصدير، لم يتم الاتفاق حتى الآن حول أى منها، اما لأسباب اقتصادية وسعرية أو سياسية.

 

فرغم اكتشاف نحو عشرة حقول غازية فى المياه الشمالية، آخرها فى الاسبوع الماضى حقل «افرودايت ــ2»، هناك حتى الآن حقلان مهمان فقط، هما «تامار» و«ليفايثان»، اما بقية الحقول المكتشفة حتى الآن فهى صغيرة الحجم، كما تقع جميع هذه الاكتشافات على أعماق كبيرة جدا من سطح البحر، نحو 15 ــ20 ألف قدم تحت سطح الماء، مما يعنى أن تكاليف تطويرها وإنتاجها باهظة الثمن.

 

•••

 

لقد حاولت الشركات العاملة الأجنبية والإسرائيلية خلال الاشهر الماضية تسويق فكرة بروز إسرائيل كمصدر آمن ومستقر لتصدير الغاز لكل من دول الاتحاد الأوروبى وآسيا. وذلك أمر طبيعى للشركات، فهى تحاول دائما تصدير الغاز من اجل الحصول على ارباح وعوائد أعلى مما تحصل عليه محليا، ليس فقط بسبب محدودية الاستهلاك المحلى، بل أيضا نتيجة المشاريع الاضافية والاسواق الجديدة التى ستطرقها من خلال عمليات التصدير. لكن الحكومة الإسرائيلية اشترطت مؤخرا تحديد كمية الغاز الممكن تصديره سنويا، وان أى زيادة عن الكمية المحددة تستوجب موافقة السلطات الرسمية، وذلك لأسباب أمنية تتعلق بتوفير احتياطات الغاز لمدة ربع قرن على الأقل. وكما هو معروف، فإن الغاز سيستعمل فى توليد الطاقة الكهربائية، بالاضافة إلى استعماله كوقود فى مصانع البتروكيماويات، ناهيك عن كونه مصدرا نظيفا للطاقة.

 

لكن السؤال الكبير وغير الواضح حتى الآن هو مدى صحة الكلام عن امكانية انتاج النفط والغاز الصخرى فى إسرائيل. فالدراسات الأولى تقديرية بحتة وغير مبنية على أى معلومات من خلال حفر الآبار، وقد روج لها جيولوجى كان يعمل فى شركة «شل» سابقا، هاجر إلى إسرائيل مؤخرا وأسس شركة لإنتاج البترول الصخرى. وقدر هذا الجيولوجى توفر نحو 250 مليار برميل من النفط الصخرى، أى ما يساوى تقريبا مجمل الاحتياطى النفطى السعودى، بمعنى آخر ان تقدير الاحتياطات النفطية فى إسرائيل يمكن أن يوازى حجم الاحتياطى فى أكبر الدول البترولية فى العالم، وهذا أمر يفتقد المصداقية، بالذات قبل حفر أى بئر، ويمكن وضعه فى باب التمنيات والترويج لجمع الأموال لتأسيس شركة بترولية جديدة.

 

•••

 

على ضوء هذه الفرضية باكتشاف احتياطى ضخم جدا من النفط الصخرى، حتى قبل حفر بئر واحدة، كتب السيد عاموس يادلين، رئيس معهد دراسات الأمن القومى فى مجلة «كلكاليست» بتاريخ 1/1/2013 «أن مخزونات الغاز والنفط التى اكتشفت فى الأعوام الأخيرة فى كل من إسرائيل والولايات المتحدة، هى بمثابة تغيير استراتيجى شديد الأهمية فى المعادلة الماكرو ــ اقتصادية وكذلك فى ميزان الأمن القومى لكل من البلدين. لكن على الرغم من ذلك، يجب ألا ننسى بأن هذه العملية ستستمر لأعوام طويلة، وسيكون لها أثمان يجب أن نعرفها من أجل اتخاذ القرارات السياسية الصحيحة.» ويضيف: «فى حال جرى تطوير تكنولوجيا ناجعة من اجل استخراج النفط من الصخور الزيتية لا تتسبب بأضرار بيئية كبيرة، فان ذلك سيجعل إسرائيل لاعبا مهما فى السوق العالمى للطاقة. وبالاستناد إلى التقديرات الاولية، فإن حجم مخزون النفط الذى تملكه إسرائيل فى الصخور الزيتية يقدر بنحو 250 مليار برميل من النفط. ولقد ظهرت هذه الاكتشافات لمصادر الطاقة فى إسرائيل فى الوقت نفسه الذى جرى فيه الكشف عن مخزون هائل للطاقة فى كل من كندا والولايات المتحدة، التى توقع التقرير الأخير للطاقة الدولية الصادر سنة 2012 بأن تصبح الولايات المتحدة الدولة الاولى المصدرة للنفط فى العالم بحلول سنة 2017» (المصدر: مختارات من الصحف العبرية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية ــ بيروت.)

 

هناك عدة أمور تجاهلها السيد يادلين فى تعليقه هذا. فمن الممكن جدا أن يتم انتاج البترول الصخرى فى إسرائيل بسبب جيولوجية الأرض هناك، والعمل قائم نفسه فى الاردن. لكن الاعتماد على تقديرات شركة فى قيد التأسيس، هو بلا شك أمر مبالغ فيه عموما، وغير دقيق بخاصة. كما أن الكاتب لم يعر أهمية كافية حول لماذا لم يتم شيوع تقنية إنتاج البترول الصخرى حتى الآن، وهى المكتشفة منذ أربعينيات القرن الماضى. والسبب معروف وواضح جدا. فحفر كل بئر من الآبار يتطلب استعمال ملايين الغالونات من المياه؟ فأين هذه المياه فى إسرائيل؟ لربما هى متوافرة فى الولايات المتحدة، فهل الوضع نفسه فى إسرائيل؟ طبعا لا. والأنكى من ذلك ان الماء المستعمل لتكسير الصخور يحتوى على الرمل والكيماويات ذات أخطار سرطانية، وهذه المياه الملوثة تستقر، بعد استعمالها، فى احواض مياه الشفة فى باطن الارض. من ثم، المعارضة الشديدة من قبل جمعيات مكافحة تلوث البيئة فى الولايات المتحدة وأوروبا لهذا النوع من التنقيب عن البترول فى الأراضى اليابسة. لكن، ما هو غريب فى المقال، هو الربط العضوى لإنتاج النفط الصخرى فى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، كأنه بمجرد إنتاجه بضخامة فى الولايات المتحدة فإن من الممكن إنتاج كميات كبيرة منه فى إسرائيل، متجاهلا الفرق فى الطبيعة الجيولوجية، ومساحة وطبيعة البلدين، وضرورة وجود البنى التحتية اللازمة وتوفر المياه.

 

•••

 

إن الاكتشافات الغازية البحرية الإسرائيلية مهمة، لا يمكن غض النظر عنها، لكن هذه الاكتشافات حتى الآن، ليست بتلك الأهمية لكى تغير سياسات الطاقة العالمية، إذ تكمن أهميتها فى منح الفرصة لإعفاء إسرائيل من استيراد الغاز الطبيعى، أما موضوع التصدير، فموضوعه أقل أهمية، إذ إن أسواق العالم تعج بامدادات الغازمن روسيا وقطر وتدريجيا من الغاز الصخرى الأمريكى ومستقبلا من أستراليا ودول شرق أفريقيا ــ بالذات موزمبيق. أما عن إمكانات إسرائيل إنتاج النفط الصخرى، فالكلام عن هذا النفط غير التقليدى سابق لأوانه فيما يتعلق بإسرائيل، كأى كلام عن وجود احتياطات نفطية ضخمة فى دولة غير نفطية قبل اكتشاف النفط وتطويره عبر سنوات بل عقود من الزمن. ويبقى هذا الأمر فى الوقت الراهن من باب التخمينات والتمنيات أكثر من أى شىء آخر، حتى يثبت عكس ذلك.

 

 

 

مستشار فى نشرة «ميس» النفطية

وليد خدوري كاتب عراقي متخصص في أمور الطاقة
التعليقات