عصر القصة القصيرة - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 11:39 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عصر القصة القصيرة

نشر فى : الإثنين 8 فبراير 2010 - 9:24 ص | آخر تحديث : الإثنين 8 فبراير 2010 - 9:24 ص

 شهدت الرواية العربية فى السنوات الأخيرة انتشارا ملحوظا دفع كثيرا من النقاد إلى الحديث عن «عصر الرواية» فى مقابل عصور الشعر العربى التى بدأت منذ العصر الجاهلى وامتدت حتى بدايات التاريخ المعاصر.

حيث يسجل الدكتور جابر عصفور فى مفتتح كتابه «زمن الرواية»الصادر عام 1999 أن شابا عمره 34 عاما قد كتب مقالا فى مجلة الرسالة القاهرية بتاريخ 3 سبتمبر 1945 يقول فيه: «لقد ساد الشعر فى عصور الفطرة والأساطير، أما هذا العصر عصر العلم والصناعة والحقائق فيحتاج حتما لفن جديد يوفق على قدر الطاقة بين شغف الإنسان الحديث بالحقائق وحنانه القديم إلى الخيال، وقد وجد العصر بغيته فى القصة. فإذا تأخر الشعر عنها فى مجال الانتشار فليس لأنه أرقى من حيث الزمن، ولكن لأنه تنقصه بعض العناصر التى تجعله موائما للعصر، فالقصة على هذا الرأى هى شعر الدنيا الحديث».

كان هذا الشاب هو نجيب محفوظ الذى وعى مبكرا جدا ما سوف يفعله فى مجال الإبداع، ولهذا امتد به الطريق إلى جائزة نوبل، ولن ينتهى ما دام العالم لا يزال يقرأ قصصه المترجمة إلى أكثر من أربعين لغة.

وقد ظهر مصطلح «عصر الرواية» لأول مرة فى النقد العربى عنوانا لكتاب الناقد العراقى الدكتور محسن جاسم الموسوى الذى نشره فى القاهرة عام 1986عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والذى يقول فى مقدمته: «منذ أن قال (آيان وات) بوجود الارتباط الفعلى بين المدينة والرواية، كثرت الكتابات فى هذا الموضوع لتثير جدلا آخر بشأن الرواية بصفتها محركا لروح العصر أيضا. بل إن ظهور الرواية ونموها وتغيرها المستمر حتم على هذا الكتاب ألا يتخذ عنوانا آخر غير عصر الرواية».

ويقصد الموسوى فى حديثه عن (آيان وات) الإشارة إلى كتابه العمدة «نشأة الرواية» الذى فَعَّل الدكتور جابر عصفور، وقت أن كان أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة، مقولته بوجود ارتباط فعلى بين المدينة والرواية فى مؤتمر الرواية الذى حمل عنوان «الرواية والمدينة» عام 2003.

ويقودنا هذا إلى الحديث عن العلاقة بين الاهتمام النقدى بنوع أدبى معين والازدهار الإبداعى لهذا النوع، حيث يرى الدكتور هيثم الحاج على أنه «مع تخصيص مجلة فصول على مدار ثلاثة أعداد تبدأ بربيع عام 1993محاورها لدراسة الرواية كان أولها المقولة الشهيرة (هذا زمن الرواية)، أسهم النقد من جانبه فى إحداث حركة روائية جديدة تتجلى أهم ظواهرها فى تحول العديد من مبدعى هذا الجيل من فنون متعددة مختلفة ومتباينة إلى كتابة الرواية»، بينما يرى آخرون أن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام 1988 كان دافعا قويا أيضا فى اجتذاب الأجيال العربية الجديدة من المبدعين إلى كتابة الرواية، فى حين يرى نجيب محفوظ نفسه أن التحولات المجتمعية هى الدافع وراء هذا الاختيار.

والواقع أن هذه العناصر مجتمعة بالإضافة إلى غيرها قد أسهمت فى انتشار الرواية العربية فى العصر الحديث، وأقصد بغيرها مثلا إمكان تحويل الروايات إلى أعمال فنية أخرى سينمائية أو تليفزيونية تجلب المزيد من الشهرة والمال لصاحبها، وأيضا تلك الجوائز العربية الكبرى المخصصة للفن الروائى دون غيره، كما أقصد الإشارة إلى ما أثاره المبدع والناقد الجزائرى «واسينى الأعرج» فى بحثه المقدم لمؤتمر الرواية عام 2008 من حديث عمّا يمكن وصفه بـ«تسليع الرواية»، حيث طرح بداية سؤالا يقول فيه: «من يقف وراء اتساع رقعة المساحة الإعلامية للرواية فى العالم والوطن العربى؟ هل هى المصادفة أم أن وراء المسألة نظاما قائما بذاته يظهر ويختفى أحيانا؟».

ثم ينتقل بعد هذا التساؤل ليشير إلى ظاهرة اختراق بعض النصوص الروائية العربية حاجز التوزيع التقليدى عربيا وعالميا، متسائلا عن الدوافع الحقيقية وراء هذا الرواج التجارى، و«هل مرد ذلك ديناميكية جديدة تفرضها النصوص من داخلها كنظم مدهشة تشد إليها القارئ والناشر والموزع؟ أم أن المسألة خاضعة لآلية أخرى تندرج فى سياق عولمى أكثر اتساعا يفرض نماذجه التى تغرس مع الزمن مقاييس تعترف بالشيوع الذى تصنعه هى، أكثر من اعترافها بالقيمة الفعلية الخالدة؟».

حيث يرصد أن القيمة فى مثل هذه الأعمال الرائجة عربيا وعالميا «أصبحت ترتبط باللحظة المعيشة وليس بالزمن المطلق. وأن الكثير من النصوص التى تظهر هنا وهناك كثير ما تنطفى لتحل محلها نصوص ووجوه أخرى تخضع للنظام نفسه».

ولهذا يخرج من الموضوع بأسئلة أكثر من تلك التى دخل بها، حيث يقول: «هل ما يجد اليوم طريقه نحو الشهرة فى روايات عربية وعالمية قيمة ثقافية فعلية تستحق الاهتمام تنضاف إلى الموروث الإنسانى، أم مجرد صناعة إعلامية مفبركة وفق القيمة المراد ترويجها عالميا عن الإنسان العربى؟ ألا تمارس العولمة ضغوطها الحقيقية ــ غير المباشرة ــ على فعل الكتابة الإبداعية فى الوطن العربى والعالم ليصبح منطق السوق والتسليع هو الأساس، وهو ما يصنع الذوق مثلما هو الحال فى المجال الفنى؟ هل فقدت الرواية اليوم وسائلها الدفاعية عن القيمة الإبداعية كقيمة إنسانية خالدة؟».

وإن صح حديث الأعرج عن تسليع الرواية وخضوعها لقوانين السوق فى عصر العولمة، فإن طباعة المبدعين الشبان لمؤلفاتهم على نفقتهم الخاصة فى معظم الأحيان، ومطالبة الناشرين لهم بألا يزيد عدد صفحات رواياتهم عن مائة صفحة حتى يسهل توزيع العمل، وملاحظة أنه فى السنوات الخمس الأخيرة نشرت سلسلة «أصوات أدبية» 18مجموعة قصصية فى مقابل 3روايات فقط، ونشرت سلسلة «إبداعات» 11 مجموعة قصصية فى مقابل 3 روايات فقط أيضا، هذا بالإضافة إلى انتشار قصيدة الومضة على مستوى الشعر، ومسرحيات الفصل الواحد على مستوى الدراما، وشيوع الحلقات المنفصلة المتصلة فى المسلسلات، كل هذا قد يشى بميل الذوق العام فى هذا القرن الجديد إلى إيقاع أكثر سرعة من الزمن الذى قد يستغرقه القارئ فى قراءة الرواية، وبهذا ربما قد نكون على أعتاب عصر القصة القصيرة.

التعليقات