كلام على الحافة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 7:06 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كلام على الحافة

نشر فى : الثلاثاء 8 مارس 2016 - 10:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 مارس 2016 - 10:50 م
بالقرب من الحافة تضغط الأزمات المتفاقمة على الأعصاب المشدودة.

كسيارة مندفعة تعطلت كوابحها تبدو مصر أمام لحظة حرجة جديدة فى تاريخها الحديث.

بأية نظرة على تلال الأزمات المتراكمة فإن هناك انكشافا يتمدد من أبسط تفاصيل الحياة اليومية إلى أعقد ملفات الأمن القومى.

فى هذه الأحوال الخطرة لا يمكن استبعاد أى سيناريو مهما كانت قسوته.

هناك فارق بين الأمانى المحلقة التى تستبعد الخطر وبين الحقائق الماثلة التى تستدعيه.

عندما يفقد أى مجتمع ثقته فى مستقبله فإن كل سيناريو محتمل.

الانهيار المفاجئ محتمل تحت ضغط الأزمة الاقتصادية.

ليس بوسع أحد أن يتوقع متى وأين وكيف تنشأ أية اضطرابات اجتماعية تحتج على ارتفاعات الأسعار والجور على حقوق الطبقة الوسطى والفئات الأكثر عوزا فى الحد الأدنى من متطلبات الحياة.

والضغط الغربى لإعادة صياغة معادلات النفوذ والقوة فى بلد محورى مثل مصر غير مستبعد.

فى الانكشاف الاقتصادى مشروع ضغط غربى.

وفى الانكشاف الحقوقى مشروع ضغط آخر.

سذاجة سياسية مفرطة الرد على انتهاكات حقوق الإنسان فى مصر بمعايرة الولايات المتحدة على انتهاكات سجلها كمحاولة لإضفاء شرعية على كل تجاوز باعتبار أن مثله يحدث فى الدول الكبرى كما فعل المندوب المصرى فى المقر الأوروبى للأمم المتحدة.

وفى الانكشاف السياسى تغيب أية قدرة على صناعة التوافقات العامة التى تضمن سلامة الدولة وتماسكها أمام أية ضغوط وتدخلات.

وفق تقديرات دبلوماسية مطلعة على مداولات الغرف المغلقة فى عواصم غربية كبرى فإن هناك سؤالين رئيسيين:

أولهما، مدى قدرة النظام المصرى الحالى على البقاء؟

إذا تأكدت هذه القدرة فإن الأطراف الدولية كلها مستعدة أن تمد يد التعاون على جميع المستويات، فالدول لا تعرف سوى لغة المصالح واعتبارات القوة.

وإذا ما اتسعت الثغرات فى بنيته فإن أحدا فى الغرب لن يتورع عن الانقضاض عليه وتسوية حسابات (٣٠) يونيو معه.

ننسى أحيانا أن مصر بلد محورى فى إقليمها ومصيرها يهم صناع الاستراتيجيات فى العالم.

فى زخم «يونيو» تمكنت السياسة المصرية من تجاوز شبه الحصار الدبلوماسى الذى فرض عليها.

بالتماسك الداخلى قاومت موجات العنف والإرهاب فى أعلى درجاتها عندما كان يلعلع الرصاص فوق الجسور وترفع أعلام القاعدة فى الميادين العامة.

بتراجع الرهانات الكبرى على التحول إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة تآكلت قواعد الشرعية وتراجعت معدلات الثقة فى المستقبل.

سدت القنوات السياسية بتضييق المجال العام والضيق بأى معارضة وتغول الأمن على الحياة العامة.

فى أى سيناريو لاضطرابات اجتماعية فإن القدرة على تدارك أسبابها تستدعى أن تكون هناك قنوات سياسية مفتوحة على مجتمعها وقواه الفاعلة.

إذا سدت القنوات السياسية والاجتماعية معا فإن النتائج محتمة.

أمام الانسداد الداخلى فإن القوى الكبرى قد تكون لها كلمة أخرى دون أن يكون المصريون فى صلب المشهد.

وثانيهما، مدى قدرة النظام على المبادرة فى ملفات الإقليم المعقدة؟

السؤال بنصه يدخل فى الحسابات الاستراتيجية المباشرة للدول الكبرى فى أكثر أقاليم العالم اشتعالا بالنيران وصراعات القوة والنفوذ.

فى أزمات الإقليم السابقة مثل الحرب على العراق كانت الولايات المتحدة تتقدم باستراتيجياتها وتمسك بعصا القيادة لتضبط الأداء الأوركسترالى لحلفائها.

الوضع الآن تغير بدرجة تستدعى أدوارا أكبر للاعبين الإقليميين فى إطلاق المبادرات والقدرة على الحركة والتأثير.

لا يمكن الإدعاء أن هناك سياسة مصرية قادرة على المبادرة فى أى ملف بالإقليم أو أنها لاعب رئيسى على مسارحه.

أى دور إقليمى له شروطه وأثمانه والتخلف عنه من أسباب تقويض الهيبة.

فى الانكفاء النسبى للدور المصرى مشروع انقضاض جديد.

بحسب إشارات أولية فإن هناك نزوعا متصاعدا لدى بعض الأطراف الغربية للضغط على الرئيس «عبدالفتاح السيسى» لعدم استكمال فترته الرئاسية الأولى.

كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟

الأداء العام لا يوفر ثقة فى أى مستقبل ويكاد أن يلامس الانهيار.

الانكشافات الواسعة تحرض صناع القرار فى العالم على استثمار اللحظة.

أى كلام آخر سذاجة لا تعرفها الدول الكبرى.

بصورة أو أخرى فإن مناعة البلد ضعفت.

بلا سياسة لا مناعة لنظام وبلا رؤية فلا إلهام للرأى العام.

النظم تكتسب قوتها من انتسابها إلى مفاهيم الدولة الحديثة وتستمد قوتها من تماسك مجتمعها ووضوح مسارها السياسى.

انتهاك القواعد والقيم الدستورية خط أحمر فى أى دولة تحترم نفسها.

الشرعيات مسألة حاسمة فى تقرير مستقبل النظم.

إذا لم تكن الشرعية الدستورية ثابتة على أرض صلبة فإنه لا يمكن استبعاد سيناريو الانهيار المفاجئ.

الأرض السياسية الرخوة ترجح هذا السيناريو الخطر.

فى غياب تماسك مجتمعى حقيقى يصعب تحصين البلد.

الأزمة الاقتصادية نقطة التفجير المتوقعة والإجراءات التى تنتوى الحكومة التقدم بها للمجلس النيابى أقرب إلى انتحار سياسى.

إلغاء الدعم دون شبكة ضمان اجتماعى حقيقية وصلبة مجازفة بكل استقرار وفرض سعر اقتصادى لكل خدمة تقدمها الدولة كالمياه والكهرباء والمواصلات العامة رهان على الفوضى.

الاستهتار بحياة الناس العاديين الذين يوفرون بالكاد أبسط متطلبات حياتهم مشروع اضطراب اجتماعى ليس بوسع الأمن صده.

بذات القدر فإن الاستخفاف بمصالح الطبقة الوسطى اندفاع بلا تعقل، فهى التى تقيم وتعزل النظم السياسية منذ بداية الدولة الحديثة على عهد «محمد على» حتى إطاحة الرئيس الأسبق «محمد مرسى».

الخطة الحكومية المقترحة تفتح الأبواب لانهيارات عامة تتجاوز الاقتصاد إلى بنية الحكم كلها.

تأزيم ما هو مأزوم انفجار.

هذه حقيقة يصعب نسبتها إلى «أهل الشر» بحسب الخطاب الرسمى.

لا أحد ينكر ضرورات التدخل الجراحى المؤلم فى بنية الاقتصاد المصرى.. لكن ما خطته ووسائله ومن يدفع فواتيره؟

التفكير من داخل الصندوق القديم أقصى ما ذهبت إليه السياسات الاقتصادية فى تحميل الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا كل الأعباء وإعفاء رجال الأعمال المتنفذين منها.

هذا النوع من التفكير لا يستقيم مع مطالب أغلبية المصريين فى العدل الاجتماعى.

كما أن الشعور العام بغياب العدل فى توزيع الأعباء يدفع بالانكشافات كلها إلى ما بعد الحافة.

رغم أن نقطة التفجير المتوقعة اقتصادية إلا أن السياسة وحدها هى التى توفر وثائق الأمان.

الدول تكتسب قوتها من القواعد التى تحكمها والتوافقات التى تصنعها.

إذا لم تكن هناك توافقات عامة بالرضا والاقتناع لا بالقهر والإدعاء فإن كل انكشاف يتسع وكل أزمة تنفجر وكل تدخل يجد الطريق أمامه سالكا.