منذ انتخابه رئيسا للولايات المتحدة اتخذ الرئيس باراك أوباما شعارا له اختصر فيه علاقة بلاده مع العالم الإسلامى. يقول هذا الشعار: «إن الولايات المتحدة ليست فى حالة حرب مع الاسلام». ولقد بدا وكأنه كان يريد أن يصحح التصور الذى غرسه الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش ــ الابن ــ فى نفوس عامة المسلمين، عندما وصف عملية اجتياح العراق بأنها «صليبية جديدة».
ورغم أن الرئيس بوش أدرك خطأ التعبير وامتنع عن استخدامه مرة ثانية، إلا أن ذلك لم يغير من بشاعة الصورة التى رسمها لعلاقة الولايات المتحدة مع العالم الإسلامى. ولقد فشلت كل المحاولات التى قامت بها الدبلوماسية الأمريكية فى عهده التى كانت مدعومة بحملات إعلامية وثقافية واسعة النطاق، لإزالة الآثار السلبية للمعانى التى حفرتها عبارته الاستفزازية فى عقول وضمائر الكثير من المسلمين.
●●●
من هنا تبدو أبعاد الشعار المعاكس الذى اتخذه الرئيس أوباما. فهو عندما يقول إن الولايات المتحدة ليست فى حالة حرب مع العالم الإسلامى، فإنه يعنى بذلك أن الحرب على العراق لم تكن صليبية جديدة. وانها بالتالى، وكما قال البابا الراحل يوحنا بولس الثانى «لم تكن حربا دينية.. ولم تكن حربا مبررة أو أخلاقية». لقد قسّم بن لادن العالم إلى «فسطاطين»: أهل الاسلام وأهل الكفر. وقسّم جورج بوش العالم إلى قسمين:
المتحضرون الذين هم معنا، والمتوحشون الذين هم ضدنا». وعلى ذلك تلاقى الرجلان فى العقيدة السياسية ــ الدينية التى ألحقت بالإنسانية كلها أفدح الفواجع.
عارض الرئيس أوباما الحرب على العراق التى شنتها إدارة بوش التى كانت متأثرة بتحالف المحافظين الجدد واللوبى الصهيونى. ويعود الفضل فى فوزه بالرئاسة الأمريكية إلى هذه المعارضة وليس إلى لون جلدته، ولا إلى أصوله العائلية الكينية ــ الإسلامية؟ إلا أن الرئيس أوباما لا يتحمل، وهو لا يريد فى الأساس، أن يكرس خطأ الحرب على العراق بتحويلها إلى هزيمة معنوية للولايات المتحدة.. فالولايات المتحدة تستطيع أن تتحمل النكسات والخسائر.. وهى قادرة على إعادة استيعابها وامتصاص نتائجها، الا أنها كقوة عظمى لا تستطيع أن تتحمل هزيمة جديدة بعد هزيمة فيتنام.
●●●
أما الحرب فى أفغانستان فإنها قصة أخرى. فإذا كانت الحرب على العراق حرب خيار، فإن الحرب فى أفغانستان هى حرب اضطرار. ذلك انه بعد جريمة 11 سبتمبر 2001 التى جرى التخطيط لها فى أفغانستان، وبعد الضربة المادية والمعنوية الشديدة التى وجهها تنظيم القاعدة إلى الولايات المتحدة بقصف وزارة الدفاع فى واشنطن، وبتدمير برجى التجارة العالمية فى نيويورك، كان لا بد من شن الحرب على القاعدة وعلى رأسها أسامة بن لادن.
ولذلك أرسل الرئيس أوباما المزيد من القوات الأمريكية إلى أفغانستان فيما كان يعمل فى الوقت ذاته على تنفيذ مراحل الانسحاب العسكرى من العراق. وجاء إرسال المزيد من هذه القوات حتى بعد منحه جائزة نوبل للسلام. ففى ذلك الاحتفال الذى جرى فى أوسلو تحدث عن «الحرب المبررة». وهو أمر يبدو متناقضا مع أخلاقيات منحه جائزة نوبل للسلام، إلا أن التبرير هو أن هذه الحرب ليست حربا على الإسلام، ولكنها حرب على حفنة من الإرهابيين الذين اتخذوا أفغانستان مأوى لهم ومنطلقا.
●●●
مع ذلك لم يذهب الرئيس الأمريكى بعد نجاح قوات الكوماندوز الأمريكيين بقتل أسامة بن لادن إلى حد التمثيل بجثته.. أو التشهير بها. فهو يعرف أن ذلك محرم فى الإسلام أيا كان صاحب الجثة. ولذلك حرصت إدارته على التخفيف من وطأة دفنه فى البحر عندما أعلنت أن التقاليد الإسلامية قد روعيت فى عملية الدفن.
لقد نفذت عملية قتل بن لادن فى الوقت الذى كانت قوات أمريكية أخرى تنفذ عمليات عسكرية فى ليبيا تحت مظلة حلف شمال الأطلسى. وإذا كانت العملية التى قتلت بن لادن، تمت من دون مشاركة الدولة الباكستانية، فإن العمليات العسكرية الجوية فى ليبيا جرت وتجرى تنفيذا لنداء استغاثة أطلقته جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى، وهو النداء الذى بنى عليه مجلس الأمن الدولى قراره 1973 بشأن حماية المدنيين الليبيين. وقد وصف القذافى هذه العمليات العسكرية بأنها «حرب صليبية ــ صهيونية جديدة»، وذلك فى الوقت الذى اعترف فيه مجلس قيادة الثوار فى بنغازى بأن ثمة عناصر ليبية كانت منضوية فى تنظيم القاعدة تقاتل الآن مع الثوار ضد القذافى وقواته. أى أن هذه العناصر تقاتل فى صف واحد مع القوات الأمريكية!
من هنا السؤال الكبير: هل يفتح مقتل بن لادن صفحة جديدة فى العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامى؟
يتوقف الجواب عن هذا السؤال على الموقف الأمريكى من القضية الفلسطينية، خاصة بعد تسوية الخلافات بين السلطة وحماس، وبعد الرد الإسرائيلى السلبى على هذه التسوية.
فالرئيس الأمريكى يجد بالتأكيد فى عملية قتل بن لادن ذخيرة حية لدعم معركته من أجل الفوز بدورة رئاسية ثانية، إلا أنه يعرف جيدا أيضا أن إسرائيل تسيطر على اللوبى الصهيونى الأمريكى الذى يتمتع بتأثير سياسى ومالى وإعلامى قوى فى معركة الانتخابات الرئاسية.
●●●
وعندما وقعت جريمة 11 سبتمبر 2001، اعتبرت إسرائيل نفسها شريكا فى ما سماه الرئيس بوش «الحرب على الإرهاب» بحجة انها كالولايات المتحدة ضحية لهذا «الإرهاب الاسلامى»!. وقد قطفت ثمار تلك المشاركة مزيدا من الدعم الأمريكى المالى والعسكرى.. ومزيدا من التغطية على جرائمها ضد الإنسانية التى استهدفت الفلسطينيين واللبنانيين.
فهل يستطيع العالم الإسلامى بعد مقتل بن لادن أن يلتف على هذا الاستثمار الابتزاى الإسرائيلى، وأن يقطع الطريق عليه، وأن يفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة، تكون القضية الفلسطينية أول المفيدين منها؟. التجارب السابقة لا تشجع على توقع جواب إيجابى. ولكن.. «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل»!.