عمق هزيمة العرب - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:36 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عمق هزيمة العرب

نشر فى : الخميس 8 يونيو 2017 - 8:40 م | آخر تحديث : الخميس 8 يونيو 2017 - 8:40 م
ولدت قبل أشهر قليلة من وفاة الرئيس السابق جمال عبدالناصر، وبعد ثلاث سنوات من تعرض العرب لأكبر هزائمهم العسكرية فى التاريخ المعاصر. وقبل أيام مر نصف قرن على هزيمة ثلاثة جيوش عربية (المصرى والسورى والأردنى) أمام الجيش الإسرائيلى عام 1967 وبدأ الاحتلال للضفة الغربية وشرق القدس وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء. وخلال مرحلة تشكيل وعيى كطفل مصرى سمعت كثيرا وقرأت مرارا عبارة «الصراع صراع وجود وليس صراع حدود». ولا يستمع أطفال العرب اليوم لعبارات مثل تلك التى تربينا عليها جيلى وأنا. وعاصرت وجيلى هزائم عربية متكررة تصبح معها صورة الهزيمة العربية العسكرية قبل نصف قرن هزيمة مقبولة. عاصرنا الحرب الأهلية اللبنانية ومآسيها وطائفيتها، عاصرنا خلافا لا ينتهى بين الجزائر والمغرب، عاصرنا انهيار الصومال، عاصرنا تقسيم السودان، وعاصرنا تقسيما ووحدة وحربا أهلية مستمرة باليمن، عاصرنا حروب العراق ومن ثم احتلاله ثم انهياره، وعاصرنا خراب وانهيار سوريا، ولا ينسينا ذلك على الإطلاق ضياع وخسارة فلسطين. ثم جاء تفاعلات الأزمة الخليجية فى نفس يوم ذكرى هزيمة 5 يونيو لتجعلنا نسأل إلى أين يتجه العرب بهزائمهم الذاتية هذه المرة؟
****
يظهر عمق هزيمة العرب من خلال ما يحدث حولنا، فقد تحدث قادة إسرائيل بمناسبة مرور نصف قرن على حرب يونيو، ورأى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أن تغييرا مهما طرأ على طريقة تعامل دول المنطقة مع إسرائيل، حيث باتت هذه الدول تعدها شريكة وليست عدوة. أما وزير دفاعها أفيجدور ليبرمان فقد ذكر أن قرار عدد من الدول العربية قطع علاقاتها مع قطر يمثل فرصة ممتازة لتوحيد الجهود مع إسرائيل فى محاربة الإرهاب، ويعتقد ليبرمان أن إسرائيل منفتحة على التعاون مع الدول العربية، وأن الكرة حاليا فى ملعب الآخرين.
ويبدو أن التطبيع العربى مع إسرائيل ما هو إلا مسألة وقت خاصة مع ما يخرج من واشنطن من إشارات متكررة تدعم هذا الاتجاه كان آخرها خلال خطاب مستشار الأمن القومى اتش آر ماكماستر قبل أيام، إذ أكد أن الزيارة التى قادت الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط تدعم راية التحالف بين إسرائيل والدول العربية الحليفة لواشنطن، حيث إن مصالح الطرفين أصبحت متداخلة. إلا أن تطبيع إسرائيل لم يقتصر على محيطها العربى فقط، فخلال الأسبوع الماضى شارك نتنياهو قمة دول غرب إفريقيا، وهو ما سجل علامة بارزة فى تمدد النفوذ والتطبيع مع إسرائيل داخل القارة السمراء. ولكى نعرف حجم وأهمية مثل هذه الخطوة، يمكن قياسها برد فعل الدول الأفريقية التى قطعت علاقاتها الدبلوماسية عام 1967 احتجاجا على احتلال إسرائيل لأراض عربية. وتحدث نتنياهو أمام المؤتمر وأشاد بتغير المواقف حيال بلاده فى العالم معربا عن رغبته فى أن تستعيد إسرائيل علاقاتها المميزة بإفريقيا.
***
يظهر عمق هزيمة العرب فيما تقدم عليه حكومات عربية عديدة لفرض لغة جديدة لمناهجها التعليمية وشئونها الدينية كى لا تدعم حالة العداء لإسرائيل. وعلى سبيل المثال تحتفى الدوائر اليهودية الأمريكية بوزارة التعليم المصرية، وبالتعديلات التى تُدخلها على مناهج التدريس فى المرحلة الإعدادية. وتزعم هذه الدوائر أن هناك عهدا جديدا بدأت بشائره فى العلاقات المصرية ــ الإسرائيلية، ومن معالمه تغيير الصورة النمطية العدائية التى يُلقن بها التلاميذ المصريون عن إسرائيل كدولة عدوة وغير شرعية، إلى صورة جديدة تراها دولة صديقة شرعية شريكة لمصر فى السلام. وتذكر الدراسة أن هناك تركيزا مصريا جديدا، لم يوجد من قبل، على الترويج لـ«دروس الحرب والسلام مع إسرائيل»، والتركيز على القيمة الاستراتيجية للسلام. وترصد الدراسة ثلاثة اتجاهات عامة انتقلت معها الإشارة لصورة إسرائيل من بعد معاهدة السلام من مجرد دولة عادية إلى دولة صديقة لتلاميذ المرحلة الإعدادية. الاتجاه الأول يركز على المزايا الاقتصادية للسلام مع إسرائيل من خلال انتهاء الحروب ومنح مصر الاستقرار اللازم لتحقيق التنمية والرخاء. الاتجاه الثانى يركز على شرعية إسرائيل كدولة شريك فى عملية السلام دون تقديم مبررات أو اعتذارات. وترصد الدراسة أنه وللمرة الأولى يتم وضع صورة رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن مع الرئيس السادات بعد توقيع اتفاقية السلام فى أحد كتب هذه المرحلة. ويشمل عرض اتفاقية السلام تحليل أسباب التوقيع عليها ويذكر أن لمعاهدة السلام مزايا لمصر والعالم العربى منها ما يتعلق بأهداف أوسع، كمكافحة العنف، والتطرف والإرهاب، دون الإشارة لعودة حقوق مغتصبة. الاتجاه الثالث يعتمد على تقليل عدد الصفحات التى تذكر القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل مقارنة بما كانت عليه فى الماضى.
***
يظهر عمق هزيمة العرب وسط أنباء وأخبار مختلفة عن مؤتمر سلام كبير قد يعقد فى الصيف المقبل لحل القضية الفلسطينية. والمنطق وراء هذه الهرولة العربية لمثل هذا المؤتمر المزمع هو ضرورة التحالف مع أعداء الغد لمواجهة عدو اليوم الأخطر والمتمثل فى إيران. إلا أن حكام العرب يتجاهلون أن جوهر التحالف كإحدى صور العلاقات بين الدول ينصب حول الاعتقاد بوجود مصالح تجمع بين أطرافه، أو مخاطر تهددهم معا. من هنا يندفع بعض أغلب حكام العرب للاعتقاد بأن هناك مصالح مشتركة تجمعهم بإسرائيل، ومخاطر تهددهم معها. خطورة هذا الاقتراب تتمثل فى حقيقة أنه لا توجد أى مصالح مشتركة بين العرب وإسرائيل، ولا تهديدات مشتركة. وتؤدى نظرة سريعة على أدبيات الفكر السياسى الإسرائيلى للكشف عن أن جوهر علاقات إسرائيل مع العرب أقرب للمعادلة الصفرية، فما ينفع العرب يضر بإسرائيل وما يفيد إسرائيل يضر حتما بالعرب عاجلا أو آجلا.
***
يظهر عمق هزيمة العرب حقيقة أن 80% من الشعب الفلسطينى يعرف الاحتلال منذ مولده، فقد عاش ملايين الفلسطينيين كل حياتهم تحت الاحتلال والسيطرة الإسرائيلية. وفى الوقت الذى احتفل فيه الإسرائيليون بالذكرى الخمسين لانتصارهم العسكرى الساحق، يحيى الفلسطينيون ذكرى مأساة نصف قرن من الخضوع لاحتلال هو الأبشع فى التاريخ الحديث؛ احتلال لا يتحدث عنه أحد وكأنه واقع جديد مقبول. شعب فلسطين لا يزال يدفع نساؤه وأطفاله ورجاله وشبابه يوميا ثمن الهزيمة العربية التاريخية للجيوش العربية، وفى ظل عدم اكتراث العرب شعوبا وحكاما بمصيرهم ومستقبلهم وقبلها معاناتهم التى لا تتوقف، أخشى أن يأتى يوم نكذب فيه على أنفسنا وعلى أولادنا ونرى فيه ما حدث قبل خمسين عاما ليس نكسة أو هزيمة بل تاريخا قديما يجب تجاهله من أجل كسب المستقبل.

 

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات