فور الإعلان عن فوز الرئيس محمد مرسى برئاسة مصر، أصدرت منظمة آيباك AIPAC (أكبر منظمات اللوبى اليهودى فى أمريكا وأكثرها نفوذا) بيانا مهما حثت فيه إدارة الرئيس باراك أوباما على توصيل رسالة واضحة للرئيس المصرى الجديد مفادها أن «الأعمال وليس الكلمات ستكون هى معيار الحكم على الرئيس الجديد خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على السلام مع إسرائيل، ووقف الإرهاب فى شبه جزيرة سيناء».
وذكر البيان أن خلفية الرئيس محمد مرسى «كمؤسس مشارك للجنة المصرية لمقاومة المشروع الصهيونى يزيد من القلق على مستقبل التزام مصر بالسلام مع إسرائيل»، واستشهد البيان بسجل مرسى إذ سبق وأكد الرئيس المصرى أن «معاهدة السلام غير عادلة لمصالح مصر، وأن إسرائيل تنتهك المعاهدة باستمرار».
وتعد آيباك منذ تأسيسها عام 1951 أهم وأقوى الجماعات نفوذا فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، وهذا النفوذ ليس مقتصرا على العاصمة الأمريكية، فقوة المنظمة قائمة على تواجدها فى مختلف أنحاء الولايات المتحدة حيث تتمتع اللجنة بالعديد من المكاتب المحلية فى الولايات الخمسين خارج مدينة واشنطن. وتحرص الجماعة على ضمان تبنى الإدارات الأمريكية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية وجهة النظر الإسرائيلية فى التعامل مع قضايا الشرق الأوسط.
ومنذ الإعلان عن نتيجة الانتخابات، زاد الهمس فى واشنطن ليصل لقلق حقيقى من توجهات الرئيس مرسى فيما يتعلق بملف العلاقات المصرية الإسرائيلية.
وقد زاد من القلق الأمريكى تجاهل الرئيس مرسى مكالمات التهنئة القادمة من تل أبيب والقدس سواء الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز أو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو ما طرح أسئلة قلقة عن هوية من ينصح الرئيس ومن يستمع إليهم، وعن هوية كبار مستشاريه فيما يتعلق بملف إسرائيل. ولم تجد واشنطن إجابات بعد لهذه الأسئلة.
البعض يرى أن مرسى سيترك هذه القضية الشائكة لأجهزة المخابرات المصرية التى تعاملت لسنوات طويلة مع ملفات العلاقات مع إسرائيل وتنظيم حماس والسلطة الفلسطينية ومعابر وأنفاق سيناء، إلا أن هذا السيناريو سيؤدى لوجود رئيس مهمش تغيب عنه تفاصيل أهم ملف للسياسة الخارجية والأمن القومى، إضافة لكون هذه القضية هى الأكثر حساسية للرأى العام المصرى، لذا لا يملك مرسى رفاهية الاستمرار فى تجاهل الملف الإسرائيلى.
من هنا تجىء أهمية زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلارى كلينتون، للقاهرة بداية الأسبوع القادم لمقابلة الرئيس محمد مرسى، قبل أن تغادرها لزيارة إسرائيل، لتعكس حجم القلق الأمريكى على مستقبل وطبيعة علاقات مصر بإسرائيل تحت الرئاسة المصرية الجديدة، وتبعات ذلك على علاقات القاهرة بواشنطن.
أما منظمة آيباك نفسها فتتعرض لمعضلة على خلفية وصول مرسى لحكم مصر، فخلال حكم مبارك حرصت آيباك على استمرار العلاقات العسكرية الخاصة بين القاهرة وواشنطن لما لذلك من تأثير ايجابى على علاقات القاهرة بتل أبيب. ومنذ بداية العلاقات العسكرية المصرية الأمريكية عام 1976، ما لبثت أن تطورت حتى احتلت مصر المرتبة الثانية، بعد إسرائيل، فى قائمة الدول التى تتلقى معونات عسكرية أمريكية، بقيمة 1.3 مليار دولار سنويا.
ووصل الأمر لمنظمة آيباك فى عدة مناسبات أن تستثمر نفوذها الطاغى داخل الكونجرس لمنع فرض شروط أو إيقاف المساعدات العسكرية لمصر على خلفية سجل النظام القديم فى قمع الحريات وتزوير الانتخابات وسجن معارضين سياسيين. وهكذا لم تقم آيباك فقط بجهود اللوبى داخل واشنطن حماية لمصالح الحكومة الإسرائيلية، بل خدمت كثيرا مصالح النظام السابق فى العاصمة الأمريكية كما يشهد على ذلك الكثير من المسئولين المصريين أنفسهم.
ورغم ارتباك دوائر صنع القرار فى واشنطن فى التعامل مع ما تراه خطر الإسلاميين فى مصر ما بعد ثورة 25 يناير، إلا أن آيباك لم تتعرض لهذا الارتباك حيث إنها تتبنى موقفا عدائيا من القوى الإسلامية المصرية حتى قبل صعودها على مسرح الحياة السياسية المصرية.
وعلى سبيل المثال خرج بيان رسمى لآيباك بعد أقل من شهر على تنحى الرئيس مبارك يقول إن الديمقراطية المصرية الجديدة يجب أن تقاوم التطرف وأن تحافظ على السلام مع إسرائيل. وذكر البيان أن التسرع بإجراء انتخابات حرة فى مصر من شأنه أن يزيد من فرص فوز جماعة الإخوان المسلمين، تلك الحركة الراديكالية التى طالما تدعو لإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل وتسعى لعداء الولايات المتحدة.
معضلة آيباك اليوم تتمثل فى التوازن الصعب بين رغبتها فى ناحية من بقاء الجيش المصرى داعما قويا للعلاقات الخاصة مع إسرائيل واستمرار تلقيه المساعدات العسكرية، ومن ناحية أخرى رغبتها فى الضغط على الرئيس المصرى المنتخب ديمقراطيا ليتبنى نهجا يرفضه الرأى العام المصرى فيما يتعلق بإسرائيل. وفى الوقت ذاته دافع حزب الحرية العدالة خلال زيارته لواشنطن فى أبريل الماضى عن ضرورة الاستمرار فى تقديم مساعدات أمريكية عسكرية للجيش المصرى، التى تقدر بـ1.3 مليار دولار سنويا، إضافة إلى مئات الملايين من المساعدات الاقتصادية.
تتوقع الغالبية الكبرى من يهود الولايات المتحدة أن تكون معاهدة السلام مع إسرائيل الضحية الأولى لرئاسة محمد مرسى لمصر. وعلى الرغم من أن الرئيس قال إنه سيحترم الاتفاقات الدولية لمصر، إلا أنهم يعتقدون أن مرسى سيحمى نفسه من المسئولية المباشرة بالظهور مع مسئولين إسرائيليين تحت ستار الاستجابة لتوجهات الرأى العام المصرى الرافض لمثل تلك اللقاءات.
على الرئيس مرسى أن يدرك حجم العداء الذى ينتظره من الكثير من دوائر واشنطن، فبعد أن ارتضت مصر خلال حكم الرئيس السابق حسنى مبارك علاقات خاصة مع واشنطن وتل أبيب، وارتباط ذلك بلعب دور إقليمى لا يخدم مصالح مصر الاستراتيجية فى أغلب الأحوال. ويعز على أصدقاء النظام السابق أن تتغير توجهات نظام الرئاسة المصرية الجديدة.
ويجىء خوف اليهود الأمريكيين وأكبر منظماتهم متوقعا من الصعود السياسى للإسلاميين فى مصر الذى ترجم فى وصول محمد مرسى للقصر الجمهورى. ويحرك هذا الخوف احتمال أن يؤسس المصريون نظاما ديمقراطيا يؤسس لدولة قوية تتبع سياسة خارجية مستقلة تؤثر سلبا على العلاقات الوثيقة بين مصر وإسرائيل، خصوصا فى مجالات التعاون الأمنى والعسكرى... فهل سيكون الرئيس محمد مرسى عند مستوى توقعات منظمة آيباك؟