فى ذكرى قنبلة هيروشيما - محمد السماك - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 6:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى ذكرى قنبلة هيروشيما

نشر فى : الأحد 8 أغسطس 2010 - 10:08 ص | آخر تحديث : الأحد 8 أغسطس 2010 - 10:08 ص
فى السادس والتاسع من أغسطس 1945 ألقت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على اليابان. استهدفت الأولى مدينة هيروشيما، واستهدفت الثانية مدينة ناجازاكى. أدى ذلك إلى مقتل أكثر من مائة الف يابانى فى هذين اليومين. وقتل التلوث النووى فيما بعد عددا مماثلا. أما الرجل الذى قاد عملية القاء القنبلة توماس ويلسون فيربى، فقد مات فى فراشه الوثير فى مارس 2000 (أى بعد 55 عاما) عن عمر ناهز الواحد والثمانين، وهو قرير العين مرتاح الضمير.. بالنسبة له، كان يؤدى مهمة عسكرية. وأن نجاح المهمة وضع حدا للحرب العالمية الثانية.

ولكن بالنسبة للمسؤولية الانسانية فان السؤال الذى لا يزال يطرح حتى اليوم هو: من المسئول؟.. هل تقع المسئولية على الرئيس فرانكلين روزفلت الذى أطلق مشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة النووية؟. هل تقع المسئولية على العالم الفيزيائى اليهودى البرت أينشتاين الذى أقنع روزفلت بامكانية وبضرورة انتاج القنبلة؟. هل تقع المسئولية على العالم النووى ــ الألمانى الأصل ــ روبرت أوبنهيمر الذى كان قائد فريق العلماء الذى انتج القنبلة؟. هل تقع المسئولية على الرئيس الأمريكى هارى ترومان الذى أعطى الأمر بإسقاط القنبلتين؟. كان أينشتاين يهوديا ألمانيا، وكان يعرف أن العلماء الألمان قادرون على إنتاج القنبلة، وإنهم يعملون على صنعها.

وبذلك اقنع الرئيس روزفلت باستعجال إنتاجها واستخدامها لحسم الحرب لمصلحة الولايات المتحدة. وكان أمل اينشتاين هو ان تلقى القنبلة الأولى على مدينة ألمانية وليس على مدينة يابانية. غير أن الخوف من أن يصيب الإشعاع النووى الشعوب الأوروبية المتاخمة لألمانيا أدى إلى اختيار الهدف اليابانى، حيث تتوافر ضمانات كافية بأن كل الضحايا المباشرين وغير المباشرين سيكونون من اليابانيين وحدهم. فى شهر مارس 1945 أمطر الأمريكيون العاصمة اليابانية طوكيو بالقنابل فقتل 85 ألف يابانى، حمل هذا القصف حكومة الأمبراطور هيروهيتو على قبول البحث فى شروط الاستسلام. مع ذلك ألقيت القنبلة الأولى، ثم أتبعت بالثانية بعد ثلاثة أيام، وفى اليوم السادس اضطرت اليابان إلى الاستسلام بلا قيد أو شرط.

لم يكن استخدام السلاح النووى ضروريا لحمل اليابان على الاستسلام. ولكنه كان أداة لحملها على قبول استسلام مذل، يعزز الموقف الأمريكى التفاوضى مع الاتحاد السوفييتى السابق على اقتسام تركة عالم ما بعد الحرب. ولم يكن استخدام السلاح النووى ضد اليابان هدف اينشتاين. كان هدفه الانتقام من الألمان. ولقد أعرب عن خيبة أمله بعد ان أطلع على النتائج المروعة لقنبلة هيروشيما بقوله: «لقد كان الأفضل لى لو عملت فى تصليح الساعات بدلا من العمل فى علوم الفيزياء».

ولكن قبل ان يعهد إلى توماس فيربى بالمهمة «رقم 13» بترؤس الفريق الذى أسقط القنبلة على هيروشيما، اشترك فى الحرب على الجبهة الأوروبية وقام بثلاث وستين عملية ضد مدن ألمانية ومنها بصورة خاصة مدينة درسدن، التى تحولت مبانيها إلى أنقاض. وقد أدى تفاهمه مع الطيار العسكرى بول تيبتس ونجاحهما معا فى إصابة الأهداف الألمانية المقررة إلى اختيارهما للمهمة على هيروشيما. أخضع الفريق إلى تدريبات مكثفة فى جزيرة تنيان فى المحيط الهادئ، وأجريت لعناصره (11 طيارا) فحوصات وتحليلات نفسية معمقة، قبل الانطلاق بطائرة اينولاغاى، التى يحتفظ بها سلاح الطيران الأمريكى حتى اليوم، فى رحلة استغرقت 13 ساعة دون توقف إلى هدفها المنكود. ولذلك أطلق رقم 13 اسما عل تلك المهمة، التى وضعت العالم امام مرحلة جديدة من العلاقات اللاإنسانية.

فالولايات المتحدة لم تعتذر لليابان بسبب القاء القنبلتين النوويتين عليها خلال محادثات الاستسلام. كل ما فعلته الولايات المتحدة هو انها اعتذرت فقط إلى المواطنين الأمريكيين من أصل يابانى الذين اعتقلتهم بصورة جماعية وزجّتهم فى معسكرات الاعتقال بحجة الشك فى ولائهم الوطنى بعد عملية بيرل هاربور. فقد اعتبر كل أمريكى من أصل يابانى خائنا حتى يثبت العكس. ولما ثبت العكس فعلا، ولكن بعد وقت طويل من المعاناة والاهانات فى معسكرات الاعتقال، كان اليابانيون قد دفعوا الثمن الغالى من كرامتهم الإنسانية!.

أما الذين قتلوا أو شوهوا من جراء الانفجارين النووين فلم يُقدَّم إلى عائلاتهم ولا إلى الدولة اليابانية أى اعتذار، ولم تبد الولايات المتحدة أى ندم أو حتى أى شعور بالأسف. كانت دائما تغطى ما حدث بأنه كان ضروريا لإنهاء الحرب ولوقف سفك دماء الآلاف من الجنود. أكثر من ذلك، قاطعت الولايات المتحدة طوال ستة عقود الاحتفالات الرسمية والشعبية، التى نظمتها اليابان فى مدينة هيروشيما حيث أسقطت القنبلة الأولى. وحيث أقيم نصب كبير تخليدا لذكرى الضحايا، إلا أن الأمريكيين لم تعترفوا أبدا بأنهم ضحايا.
غير أن هذا العام شهد أول اعادة نظر فى هذا الموقف الأمريكى. فقد شاركت واشنطن لأول مرة بوفد ولو متواضع جدا فى الاحتفال. وبدت هذه المشاركة الخجولة بداية لتحرك ربما يؤدى إلى الاعتذار.

ومن الملاحظ فى هذا الشأن أن الأمم المتحدة ربطت موقفها من هذه الاحتفالات بالموقف الأمريكى طوال العقود الستة الماضية. إلا أنها وبعد المشاركة الأمريكية الجديدة، وافقت هى أيضا على هذه المشاركة!.

لقد تعلم العالم من مأساة هيروشيما ــ ناجازاكى درسين كبيرين. الدرس الأول انسانى. ويتعلق بمدى الخسائر البشرية التى تسبب بها الانفجار النووى، حيث لا يفرق بين مدنى وعسكرى. أو بين انسان وحيوان. أو بين بناء وشجر. فالموجة النووية تسحق كل شىء وتبيد كل حياة. أما الدرس الثانى فهو ان الردع النووى كان وهما.

فالنادى النووى توسع منذ ذلك الوقت ليتعدى روسيا وفرنسا وبريطانيا ليشمل العديد من الدول النامية بما فى ذلك الهند والباكستان. ولقد شمل اسرائيل منذ عقود ايضا، حيث يقدر حجم ترسانتها النووية بأكثر من 200 قنبلة. ولا يزال النادى يتوسع سرا وعلنا، الأمر الذى يشير إلى ان القوة التدميرية لأعضاء النادى النووى كافية لقتل كل انسان على سطح الأرض 15 مرة على الأقل!

وهكذا فإن مهمة رقم 13 لم تكتمل فصولا بعد. فهى لا تزال مستمرة ولو بأشكال متعددة.. وفى مسارح مختلفة.
محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات