فلسفة للنوم - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 10:05 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فلسفة للنوم

نشر فى : الأربعاء 8 أغسطس 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 أغسطس 2012 - 9:00 ص

أمر أحيانا مرورا سريعا على صفحات الفيسبوك، ألاحظ وأقرأ وأبتسم وأحزن وأقارن. لاحظت فى الآونة الأخيرة اهتماما مفرطا بموضوع النوم والأرق، كثرتهما أو ندرتهما. انتقل الاهتمام إلى ناحيتى بعد أن وقعت بالصدفة على مقال بمجلة «الفلسفة اليوم» الأمريكية يحكى فيه كاتبه عن اثنين من الفلاسفة جلسا كالعادة هائمين بعشقهما الأكبر، الكلام، واختارا الألم موضوعا. تساءلا إن كان العلم يهتم بدرجة كافية بالألم بهدف التخلص منه، وعن شكل العالم بدون ألم، وناقشا الافتراض بأن الألم ربما كان يؤدى وظيفة أخرى غير وظيفته البيولوجية وهى تنبيهنا إلى المواقع والمصادر التى تسبب لنا الضرر لنتجنبها.

 

•••

 

ومن الألم وحديثه يطول انتقل الفيلسوفان إلى الكلام عن مقال نشره واحد منهما وعنوانه «الحاجة إلى النوم»، واعترف فى مقدمته بأن الفلاسفة عبر التاريخ لم ينتبهوا إلى ظاهرة النوم، هذه الظاهرة الاستثنائية والغريبة والخارجة عن المألوف.

 

ويبدو من الحوار الذى دار بين الفيلسوفين أن المقال أثار جدلا واسعا ولأول مرة فى دوائر معينة كالجامعات والدوريات المتخصصة والمؤتمرات الفلسفية. خرج أحد كبار الفلاسفة يبرر لزملائه أهمية «الكلام» فى الموضوع بقوله: «افترضوا أن جاءكم صديق يشكو من إصابته بمرض عصبى خطير من بين أعراضه، وهى كثيرة، فقدان قدرته على التحكم فى وظائف الجسم لمدة ثمانى أو عشر ساعات يوميا وانقطاع صلته بالعالم الخارجى وتعرضه لنوبات هلوسة وتخاريف وتهيؤات.. أجيبونى بالله عليكم ماذا أنتم فاعلون بشكوى هذا الرجل وبأنفسكم؟ ألن يصيبكم الهلع والخوف، خاصة إذا قال لكم إن مرضه معدٍ؟

 

•••

 

النوم، كما يقول الفيلسوف رايموند تاليس، ظاهرة ليست استثنائية أو غريبة، لأن كل الناس تنام، بل إننا نعتبر الذين لا ينامون مرضى بداء الأرق المزمن، فضلا على أن كل الحيوانات تنام، مما يعنى أن للنوم وظيفة تخدم هدفا أو أهدافا بيولوجية. تعددت الآراء، فمن قائل إن النوم يحفظ طاقة الجسم ليوم جديد. ومن قائل إنه يساعد على النمو. قيل أيضا فى الأزمنة السالفة إن النوم يقلل أو يلغى فرص التحرك فى الظلام تفاديا لتعرض الإنسان لضرر أو إصابة. يقال الآن إن النوم يرسخ الذكريات ويصنفها ويدعهما. أما الباحث Dement الذى اكتشف فى القرن الماضى فى بحث اشتهر باسمه «الحركة السريعة للعين أثناء النوم» فيعتقد أن الدافع الرئيس للنوم هو حاجتنا للنوم. وهى حاجة مثبتة ومؤكدة. نحن ننام لأننا ننعس، أى لأننا نشعر بحاجة شديدة للنوم!

 

•••

 

لم يقترب الفلاسفة من موضوع النوم، أو لعلهم فضلوا الابتعاد عن سيرته، ربما لأن النوم نقيض الكلام وخصمه اللدود. النوم عند الفلاسفة وقت ضائع فى عالم لا مكان فيه لعقل، أو فى عالم تجمد فيه نشاط العقل. النوم يذكرنا بحقيقة أننا عاجزون، على الأقل لمدة نصف يوم من كل يوم. بمعنى آخر نحن عاجزون نصف العمر. ففى الليل تحل أضواء الليل شبه الخافتة أو النائمة محل ضوء النهار المبهر، لتذكرنا بأن قوى لم نخترها ولا نتحكم فيها هى التى تتحكم فينا أثناء الليل. هذه القوى لا نقدر على مقاومتها خلال النوم بعد أن تكون قد سلبتنا جل إرادتنا. تفعل بنا هذا كل ليلة، مما يعنى أننا نقضى نصف حياتنا مسلوبى الإرادة ولا سلطة لنا على رغباتنا وقراراتنا.

 

•••

 

كان نتيشه يقول: «مباركون الذين يشعرون بالنعاس.. قريبا جدا سوف يسقطون نياما». جان بول سارتر سخر من «الناعسين» بلسان أحد شخصيات رواية له، وهو يروى كيف كان ينظر بهلع أثناء رحلة فى قطار إلى راكب جالس أمامه غارق فى النوم «يتأرجح كقطعة جماد مع تأرجحات المركبة»، أما ديكارت الذى كان يرفض مقولة إن الإنسان يتوقف عن التفكير وهو نائم، قال إن التوقف عن التفكير لأى سبب يعنى «أن لا أكون أنا»، فالإنسان مخلوق يفكر، وإذا توقف عن التفكير توقف عن كونه إنسانا. يرد جون لوك بما يعنى استحالة أن نفكر ونحن نائمون، وبالتالى تتحول كل إغفاءة نوم عند إنسان إلى نقطة شك فى نظرية ديكارت.

 

الفلاسفة معذورون فى نقمتهم على النوم الذى يحرمهم من متعة الكلام، أما غير الفلاسفة من بنى البشر فبينهم من هم سعداء بظاهرة النوم ومستفيدون منها لأسباب كثيرة أهمها السبب نفسه، ألا وهو غياب الكلام عند النوم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي