نشر موقع Forward مقالا للكاتب Yehuda Lukacs يرى فيه أن حربا أهلية على وشك القيام فى إسرائيل فى ظل المظاهرات التى تنادى بإقالة نتنياهو من منصبه إلى جانب وجود الانقسامات ومشاعر الكراهية بين مكونات المجتمع اليهودى... نعرض منه ما يلى:
لم يشهد المجتمع الإسرائيلى انقساما مثل ما يشهده الآن. فهناك حرب أهلية كادت أن تنضج مع تزايد أعداد المظاهرات ضد نتنياهو والتى بدأت فى مارس 2020. وبدأت المظاهرات التى كانت مقرها القدس، بجوار المقر الرئيسى لرئيس الوزراء، بالانتشار فى أنحاء البلاد. إلى جانب ظهور مظاهرات متضامنة فى 18 مدينة حول العالم؛ بما فى ذلك بوسطن وبازل وميامى ولوس أنجلوس وبرلين وسيدنى وسان فرانسيسكو ونيويورك وتورنتو وواشنطن.
تهدف المظاهرات التى تزداد حدتها أسبوعيا إلى استقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فبسبب تهم الرشوة والاحتيال الموجهة إليه، يطالب العديد من الإسرائيليين باستقالته على الفور. ويجادلون بأنه لا يمكن لرئيس الوزراء أن يقف مذنبا فى المحاكم ويقود البلد فى نفس الوقت، لا سيما بالنظر إلى التحديات الكبيرة التى تواجه إسرائيل داخليا وخارجيا.
إلى جانب ذلك، فشل نتنياهو فى التصدى لموجة جائحة كورونا الثانية. ومع تزايد نسب البطالة وتعرض إسرائيل لأسوأ ركود اقتصادى منذ نشأتها، تزداد نسب معاناة المتضررين من الأزمة. وزير الليكود بلا حقيبة «تساحى هنغبى» أطلق فى لقاء تلفزيونى على مطالب المتظاهرين واحتجاجهم على نقص الغذاء على أنه «هراء شعبوى»... استجابة الحكومة للكوارث التى خلفها الوباء زادت الأمر سوءا.
بينما يصف نتنياهو أولئك الذين يتحدونه بـ«الانقلابيين»، يطلق عليه الجماهير فى شعاراتهم «الوزير المجرم». ينظر إليه المعارضون على أنه ديكتاتور يخدم نفسه ويقوض عن عمد أسس الديمقراطية الإسرائيلية من خلال مهاجمته لوسائل الإعلام والنظام القضائى والقانون، بينما يتجنب أى انتقاد لسياساته الداخلية الفاشلة. فما يقوله نتنياهو أن النظام القضائى يهدف إلى عزل رئيس وزراء يمينى قوى، وبالتالى إبعاد المعسكر القومى من قيادة البلاد لسنوات طويلة.
هذه القضايا مجتمعة تدل على أن مطالب الاحتجاجات لا تتمحور حول قضية واحدة، بل يمكن وصفها بأنها تضع الأسس لصراع داخلى اجتماعى سياسى، وربما حرب أهلية... ومع ذلك يرفض نتنياهو المغادرة.
***
لا يمكن ردم الفجوات بين اليسار واليمين الإسرائيلى... الخطاب المدنى لم يعد ممكنا... مواجهة الاحتجاجات ضد نتنياهو تركز على شن حملات مستمرة وسامة ضد خصومه.. يُنظر إلى كل يهودى يسارى أو عربى أو أشكنازى على أنه متآمر ضد الملك بينيامين نتنياهو. وأصبح الانقسام العرقى بين «إسرائيل الثانية» (يهود الشرق الأوسط أو اليهود الشرقيين) ضد «إسرائيل الأولى» (أشكنازى أو يهود أوروبا) جزءا لا يتجزأ من مهرجان الكراهية فى إسرائيل.
يعود غضب واستياء «إسرائيل الثانية» من «إسرائيل الأولى» إلى خمسينيات القرن الماضى عندما وصل مئات الآلاف من اليهود إلى الدولة اليهودية الناشئة من عدة دول عربية. استقر المهاجرون من أوروبا الشرقية الذين وصلوا أيضا فى ذلك الوقت فى مركز الدولة، فى مناطقها الحضارية. فى المقابل، أُجبر اليهود الشرقيون على الاستقرار فى مناطق نائية فى الأطراف، تفتقر إلى البنية التحتية وفرص العمل. اعتبرتهم النخبة الأشكنازية الاشتراكية أدنى مرتبة من الناحية الثقافية، وتم تمييزهم بشكل منهجى فى كل جانب من جوانب الحياة تقريبا. مناحيم بيغن أدرك أهميتهم الانتخابية ورحب بهم فى الليكود وحصل على ولائهم ودعمهم اللذان أوصلاه إلى السلطة فى انتخابات عام 1977.
على مر السنين، مع اختلاط الأعراق والحراك الاقتصادى الصاعد من قبل اليهود الشرقيين، بدأ غضبهم ينحسر. ومع ذلك، لعب نتنياهو بمهارة على مشاعر كراهيتهم السابقة التى لم يتم نسيانها، ويمكن اعتبار كراهيتهم للأشكناز الآن بمثابة انتقام.
***
فى هذه البيئة السامة، تعتبر المظاهرات المؤيدة للديمقراطية بمثابة صرخة من قبل الإسرائيليين الصغار والكبار، الذين يشعرون بالغضب لأن بلادهم قد اختطفها دكتاتور فاسد لن يتردد فى حرق الأرض للحفاظ على حكمه وتجنب المحاكمة... ويعتزم المحتجون على تصعيد الاحتجاجات حتى يستقيل.
أصبحت هجمات نتنياهو العنيفة والمتكررة على وسائل الإعلام جزءا من لعبته، ويلقى دائما باللوم على «الأخبار الكاذبة» فى إثارة الاحتجاجات ضده. تظهر وسائل التواصل الاجتماعى الانقسامات العميقة فى المجتمع الإسرائيلى، حيث أصبح خطاب أنصار نتنياهو الذى يرمز للمحتجين بـ«أعداء الدولة» خطابا عاديا.
تتحول شرطة منطقة القدس، التى تتعامل مع التظاهرات الكبيرة فى العاصمة، إلى حراس للنظام. وقد أمرها وزير الأمن الداخلى الموالى لنتنياهو بالرد بوحشية على المتظاهرين. اعتُقل المئات وأصيب العشرات، بمن فيهم المدير السابق لجهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى (الشاباك) الذى شارك فى مظاهرة مؤيدة للديمقراطية أخيرا.
تم استخدام العنف ضد المتظاهرين، ليس فقط من قبل الشرطة ولكن أيضا من قبل مجموعات الترويج للكراهية مثل «لافاميليا» وهى مجموعة تضم بشكل كبير يهودا مزراحيين يمينيين متطرفين عنصريين من القدس.
***
يحاول نتنياهو الحفاظ على منصبه... ويحاول أتباع نتنياهو، الذين يشملون أيضا الأحزاب الدينية فى الائتلاف الحاكم، إسكات منتقديه. نتنياهو يصور نفسه على أنه ضحية مؤامرة. ومن ثم يهدف إلى نزع الشرعية وهزيمة الاحتجاجات من خلال نشر سياسة الخوف ــ أنا الوحيد الذى يمكنه الحفاظ على أمن إسرائيل! ــ ومن خلال تبنى الكراهية تجاه اليساريين الذين «نسوا ما يعنيه أن تكون يهوديا».
من غير المحتمل أن يتخلى أولئك الذين يدعمون نتنياهو بقوة عن زعيمهم وينضمون إلى الاحتجاجات. إنهم مقتنعون بأن سقوطه سيؤدى إلى كارثة عليهم وعلى الدولة. شركاء نتنياهو فى حزب الليكود يؤيدونه تماما، مرددين رسائله عن الكراهية والانقسام.
بالنظر إلى حجم دعم نتنياهو، من غير المرجح أن تؤدى الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، حتى مع زيادة كبيرة فى المشاركة، إلى استقالة رئيس الوزراء. على الرغم من تفانيهم فى هذه القضية، إلا أن المتظاهرين يفتقرون إلى النفوذ والاستراتيجية الملموسة للنجاح. ومع ذلك، ورغم العنف الموجه ضدهم، فهم غاضبون ومصممون على تصعيد النزاع الأهلى بأى ثمن. بعد مرور 72 عاما على تأسيسها، وجدت الدولة اليهودية نفسها منزلا منقسما، وتقترب شيئا فشيئا من شفا حرب أهلية عنيفة.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلي