مزيدًا من الشِّعر، من فضلك! - توماس فريدمان - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 3:42 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

مزيدًا من الشِّعر، من فضلك!

نشر فى : الأحد 8 نوفمبر 2009 - 9:54 ص | آخر تحديث : الأحد 8 نوفمبر 2009 - 9:54 ص

 كثيرا ما أجد فى الآونة الأخيرة من يسألوننى: فى رأيك كيف يفكر أوباما فى هذا الأمر أو ذاك؟ وأنا أجد هذا السؤال غريبا. فكيف يمكن أن يوجد كل هذا العدد من الناس الذين يتساءلون عما يؤمن به بالفعل رئيس أخذ على عاتقة التصدى للعديد من القضايا الكبرى، بتبنيه سياسات محددة للغاية. بل إنه حتى قد كوفئ بحصوله على جائزة نوبل نظير الآمال التى بعثها؟

لا أعتقد أن الرئيس أوباما لديه مشكلة فى التواصل فى حد ذاته. فقد ألقى العديد من الخطب، وأجرى مقابلات كثيرة، شرح خلالها سياساته وأوضح ضرورتها، على نطاق واسع. ومع ذلك، فإن لدى أوباما مشكلة فى «السرد المترابط».

فهو لم يربط كل برامجه فى سرد واحد يبين العلاقات بين خططه بشأن الرعاية الصحية والنظام المصرفى والاقتصاد والمناخ والطاقة والتعليم والسياسة الخارجية. وكان من شأن مثل هذا السرد تمكين جميع القضايا ودوائر أنصارها من أن يعزز كل منها الآخر، وإثارة ذلك النوع من الحماس الشعبى الذى أدى إلى انتخابه.

غير أنه فى غياب ذلك، خفتت بلاغة الرئيس وقدرته على إثارة حماس الناس حتى يتحركوا للعمل من أجله، وضاعت فى غابة من التفاصيل التكنوقراطية. وبدت سياساته الجريئة وغير المترابطة كما لو كانت خطة عمل ينبغى علينا القيام بعمل شاق والدخول فى مساومات لا تنتهى لإنجازها، لمجرد أن ننتهى منها لا لأنها تمثل لبنات فى مشروع قومى عظيم.

فما هو هذا المشروع؟ ما هو هذا السرد المترابط. إنه ببساطة مشروع بناء الأمة من الداخل.. بناء الأمة فى أمريكا. لقد اعتقدت دوما أن تخوف أغلبية الأمريكيين من أننا نتحول تدريجيا إلى قوة عظمى آفلة هو السبب فى فوز السيد أوباما بالانتخابات. ذلك أن كل ما لدينا، من المدارس إلى الطاقة إلى نظم المواصلات، ينهار ويحتاج إلى التجديد والتنشيط. فبناء الأمة من الداخل هو ما يريده الناس من واشنطن اليوم.

لقد صوت العديد من الناس ــ بمن فيهم المحافظون ــ لباراك أوباما لأنهم شعروا فى قرارة أنفسهم بأنه يستطيع ــ أكثر من أى مرشح آخر ــ أن يجذبنا جميعا معا إلى ذلك المشروع. وكان هناك الكثيرون ممن يمكننى أن أطلق عليهم «الوسطيون أمثال وارين بافيت». فبالرغم من أن هؤلاء ليسوا مليارديرات، فإنهم يؤمنون بقول السيد بافيت بأن كل ما أنجزه فى حياته يعود فى الأساس إلى أنه ولد فى هذا البلد ــ أمريكا ــ فى هذا الوقت، بكل ما يعنيه ذلك من مزايا وفرص.

وأنا أعتقد ذلك. كما أرى أن أطفالنا وأطفال غيرهم كثيرين فى أنحاء العالم لن يحصلوا على هذه الفرص، بدون وجود أمريكا قوية تستطيع عندما تكون فى أفضل حالاتها تقديم المزيد من السلع والخير لمواطنيها وللعالم، أكثر من أية أمة أخرى.

وأنا مقتنع بأن هذا النوع من بناء الأمة فى الداخل هو بالضبط ما يحاول أن يقدمه الرئيس أوباما. ويجب أن تكون دعوته التوحيدية على النحو: نحن نريد نظاما للرعاية الصحية الشاملة لأن ذلك سوف يقوى نسيجنا الاجتماعى ويحسن الوضع التنافسى لشركاتنا على المستوى العالمى، ونحتاج إلى رفع مستوى مدارسنا، لأنه لا ينبغى أن يُحرم من التعليم طفل فى أمريكا القرن الحادى والعشرين، ولأننا من دون ذلك لا نستطيع أن ننافس على الوظائف الجديدة والجيدة، ونحتاج اقتصادا أكثر حفاظا على البيئة، لا من أجل تخفيف حدة التغير المناخى فحسب، ولكن أيضا لأن العالم الذى سينمو عدد سكانه من 6.7 مليار نسمة حاليا إلى 9.2 مليار بحلول عام 2050 سوف يتطلب المزيد والمزيد من المياه والطاقة النظيفة، وسوف تتمتع الدولة التى تطور التكنولوجيا الأكثر نظافة بالقدر الأكبر من أمن الطاقة والأمن القومى والاقتصادى والشركات الأكثر تنافسية، إلى جانب احترام العالم.

غير أن الوفاء بهذه الأجندة يتطلب شعبا لديه دوافع كما يتطلب روحا تقوم على التضحية المشتركة. وهنا يصبح السرد المترابط قضية حيوية. ويجب أن يكون لدى الناس إحساس داخلى بالسبب الذى يجعل هذا المشروع لبناء الأمة، بكل خيوطه المتنوعة، أمرا بالغ الأهمية، ويستحق التضحية. كما أن عدم إعلان الرئيس عن المسعى الصادق لبناء الأمة الذى يشارك فيه، من الأسباب التى جعلت مشاعر المستقلين والمحافظين الذين صوتوا للسيد أوباما تنقلب عليه بسهولة بعد أن وصفته شبكة فوكس نيوز وبعض الناس بأنه «اشتراكى».

ويقول مايكل ساندل، المنظر السياسى من جامعة هارفارد ومؤلف كتاب «أيتها العدالة، ما هو الشىء الصائب الواجب عمله؟» أحد أكثر الكتب مبيعا مؤخرا، وهو يدعو إلى ترقية مستوى خطابنا الجماهيرى: «لقد سجل انتخاب أوباما تحولا، من سياسة كانت تحتفى بالمصالح الخاصة إلى سياسة أدركت الحاجة إلى حكومة فعالة وأهداف عامة أكبر. وعبر ألوان الطيف السياسى، فهم الناس أن التجديد القومى يحتاج إلى طموح كبير وسياسات من نوع أفضل».

وأضاف ساندل أن أوباما يحتاج إلى نقل المثالية المدنية الخاصة بحملته الانتخابية إلى الرئاسة، حتى يستطيع الوفاء بهذا الوعد. فهو يحتاج إلى خطاب مترابط يجعل هؤلاء الذين قاموا بانتخابه يندفعون لتحقيق هذه الأجندة الطموحة فى مواجهة جميع قوى الجمود والمطامع الخاصة.

ويقول ساندل «لا يمكنك بناء الأمة بدون التضحية المشتركة. ولا يمكنك إلهام الشعب لأجل المشاركة فى التضحية بدون خطاب يضعنا أمام التحدى بأن ننخرط فى مسعى مشترك، لا أن نظل مجرد مستهلكين راغبين فى تحقيق أفضل الصفقات لأنفسنا. فعلى أوباما تنشيط واقعية رئاسته عبر استعادة شعر حملته الانتخابية».

New York Times Syndication

توماس فريدمان  صحفي أمريكي مهتم بشئون الشرق الأوسط
التعليقات