سوريا: حكومة جديدة أم مـرحـلـة جـديـدة? - فوّاز طرابلسى - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 11:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سوريا: حكومة جديدة أم مـرحـلـة جـديـدة?

نشر فى : الخميس 8 نوفمبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الخميس 8 نوفمبر 2012 - 8:30 ص

لا يستطيع أى صديق للثورة السورية إلا أن يستنكر ويدين التصريحات الأخيرة لهيلارى كلينتون ضد «المجلس الوطنى السورى» ودعوتها لضرورة تجاوزه بعد تقريعه على سوء الإدارة. يحمل التصريح من الاستهتار والاستعلاء والإهانة ما يعيد التذكير، لمن نسى أو تناسى، بأننا لا نزال أمام إمبراطورية أمريكية يدّعى القائمون عليها امتلاك حق التصرف الصلف فى مقدرات البلدان ومصائر الشعوب وحركاتها وأنظمتها السياسية.

 

نقول هذا بغض النظر عن رأينا فى سياسات «المجلس الوطنى السورى». فالتهجم الأمريكى الرسمى عليه لا يبرئه بقدر ما يدينه وفق قاعدة «من يهن...». ولكن يبقى أن من يحق له محاسبته هو الشعب السورى وقوى الثورة فى مواقع البطولة والتضحيات.

 

●●●

ترافق تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية مع الانتقال بالأزمة السورية من مطابخ أنقرة المستغنى عنها موقتاً، اللهم إلا للأغراض العسكرية واللوجستية إلى مطبخ الأردن لاستيعاب رئيس وزراء فار فالعودة إلى الدوحة، وقد همّش دورها ودور إعلامها لفترة، وبالرعاية الأمريكية إياها.

 

فالتحية أولاً للقلة من المعارضين السوريين الذين رفعوا الصوت استنكاراً لهذه الطريقة فى التعاطى مع شعبهم وثورتهم، أو رفضوا الامتثال لاستدعائهم إلى الدوحة بلا كيف. وهم قلة قليلة.

 

على أن من وصف «الاستغناء» عن «المجلس الوطنى» مع أنه لا يبدو أن فى الأمر استغناء أصلاً «خطأ استراتيجى» ترتكبه السياسة الأمريكية لأن الطرف المعنى هو الوحيد الذى يصر على «سقوط النظام». ليست المشكلة فى الاستغناء عن «المجلس الوطنى» أو عدم الاستغناء عنه. المشكلة فى أن سقوط النظام ليس بنداً على جدول أعمال الأدوار الأمريكية فى الثورات العربية. فمن تابع تلك السياسة منذ بدء الثورة السورية، يلاحظ مدى تهافت نظرية التدخل العسكرى بوجهيها الوجه المؤامراتى الذى يدفع إلى الانحياز إلى النظام بناء على حتمية حصول التدخل، أو الوجه الخلاصى لمن يرحب بالتدخل أو يستدعيه استدعاء علماً أن أصحاب النظرية من الوجهين لم يشرحوا لنا بعد أسباب عدم حصول التدخل العتيد بعد سنة وثمانية أشهر من انطلاقة الثورة.

 

●●●

 

عمدت الإدارة الأمريكية منذ البدء إلى تلزيم الأزمة السورية لأطراف عربية وإقليمية ومن ثم دولية (تركيا، قطر، الجامعة العربية، وصولاً إلى شراكة أميركية روسية فى مبادرة كوفى أنان والأخضر الإبراهيمى عن طريق مجلس الأمن) واعتمدت السياسة ذاتها، المعتمدة منذ بداية الثورات العربية، بالدعوة إلى تنحى الرئيس، من أجل إنقاذ النظام بقاعدته العسكرية الأمنية، وتوجهاته النيوليبرالية، وحراسته للأمن والاستقرار على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، بعد تطعيمه بعناصر من المعارضة الرسمية والتقليدية وخصوصاً بعد إقصاء الجماهير الثائرة، وفى مقدمها الشباب، عن الفعل والتأثير من خلال حضوره فى الساحات والشوارع.

 

وقد اقتفى الرئيس بشار الأسد أثر زميله المخلوع على عبدالله صالح فى ملاقاة تلك السياسة: رفع فزاعة الإرهاب الدولى، واستدعاه استدعاء بسياساته الحربية الدموية أو بالدعوة الاستخبارية الصريحة، لغرض تحييد الإدارة الأمريكية أو حتى استمالتها؛ وواكب النظام السورى كل مسارات التعريب والأقلمة والتدويل محولاً إياها إلى مهل إضافية على أمل تحقيق انتصار عسكرى لا حظوظ لتحقيقه. واستخدم كل أنواع «الخورجة» هذه لإنكار أسباب الثورة وتحويل الملايين من أبناء الشعب السورى المحتجين سلمياً إلى مجموعات إرهابية مسلحة بات الآن المطلوب «استئصالها»، حسب آخر مصطلحات الإعلام الرسمى وأخيراً ليس آخر، طمس مطالب تلك الجماهير وحقوقها المشروعة.

 

ولن ننسى كلام هيلارى كلينتون عن أهمية تطمين الأقليات الذى لقى صدى مزايداً عند السيد لافروف الذى اعتبر حماية الأقليات هى المبرر الأول لبقاء الرئيس الأسد فى السلطة. ولم يفت الأخير أن يتمثل الدور كاملاً فتولى تسليم المناطق ذات الأكثرية الكردية إلى الحزب الكردى الحليف لحزب العمال الكردستانى، وحلفائه، فيما دعت أجهزته الأمنية المسيحيين إلى التسلح فى إطار «اللجان الشعبية».

 

مهما يكن من أمر، فإن وضع «الأقليات» على جدول الأعمال ينذر بحلول على الطريقة اللبنانية تنطوى على إعادة تشكيل الحياة السياسية (والعسكرية والأمنية) على قاعدة محاصصات وتوازنات طوائفية ومذهبية وأقوامية (الأكراد).

 

بحجة الانغماس فى الانتخابات الرئاسية أو بعدمه، بذريعة انقسام المعارضات أو عدمه، كان الموقف الأميركى المتفرج على الأزمة الدموية السورية يرى إلى النظام السورى يدمر بلده بنفسه، بالوحشية التى نشهدها عاجزين، ما ينوب عن أى تدخل، بل يغنى حتى عن التسرع فى البحث عن حل. فما عدا مما بدا الآن؟ وهل من تحوّل فى النهج الأمريكى؟

 

●●●

 

اللافت فى المبادرة الأمريكية الخليجية الجديدة هو التركيز هذه المرة، ولأول مرة، على تشكيل حكومة توحد المعارضة وتقودها. يريد البعض تفسير ذلك على أنه تجهيز للمعارضة لاستقبال الولاية الجديدة للرئيس أوباما، فى حال فوزه بالطبع. وثمة من ينظر إلى النقلة على أنها تعبير عن تزايد القلق الأمريكى من تنامى دور العناصر الجهادية فى صفوف المعارضة المسلحة ما يدفع إلى واحد من خيارين أو كليهما معاً: دعوة المعارضة المسلحة لتطهير صفوفها والاستعجال فى البحث عن حل سياسى. تبقى هذه التفسيرات فى باب الاحتمالات. علماً أن قلقاً من تنامى دور الجهاديين عادة ما يدفع إلى دعم القوى الإسلامية «المعتدلة» وهذه موجودة فى «المجلس الوطنى السورى» قبل سواه.

 

مهما يكن، فالحد الأدنى مما يمكن قوله هنا ان إلقاء الثقل الأمريكى على الحكومات يلتقى المبادرات الروسية فى منتصف الطريق، وموسكو تنادى منذ البدء بأولوية تشكيل حكومة اتحاد وطنى على الحوار الوطنى وعلى البحث فى مصير رئيس الدولة. هل هى خطوة أمريكية نحو التسوية مع روسيا على حل، أو تنظيم المنافسة الأخيرة بين خيارين أولويتين: التنحى أو حكومة الاتحاد الوطنى؟ لكن أية قوة سوف تستطيع أن تفرض مثل هذا الخيار الاختزالى على شعب لايزال يتظاهر كل يوم جمعة، وسط الخراب وتحت وابل البراميل المتفجرة ويتحدى المجازر والأرقام القياسية لعدد القتلى اليومى ليقول إصراره على الحرية وبناء سوريا جديدة ديمقراطية تعوّض ولو جزئياً عن تضحياته وتليق بشعب سوريا وطموحاته؟

 

وكان ينقص هذ العالم السورى المقلوب فوق رؤوس أبنائه هذ الخبر:

 

أصيبت سيارة إسرائيلية فى هضبة الجولان المحتل (والمضموم) بـ«رصاصات طائشة» مصدرها الجهة السورية من الهضبة غير المحتلة (وغير المضمومة).

 

يا للطيش!

فوّاز طرابلسى سياسى وكاتب وأستاذ جامعى لبنانى
التعليقات