نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى تناولت مشاركة الهويات المختلفة فى المجتمع الأمريكى فى الانتخابات والحياة السياسية الأمريكية، وهو ما يفرض على الحكومة الأمريكية تحديات لإدارة فن التعايش فى ظل مناخ أمريكى اتسم بالصراع فى الفترة الأخيرة.. نعرض منه ما يلى.
تقول الكاتبة إن فئات مختلفة من العرب والمسلمين اهتمت بمتابعة الانتخابات الأمريكية وما سيترتّب عن فوز أحد المرشّحين من نتائج تشمل موقع المسلمين باعتبارهم «أقلية» داخل المجتمع الأمريكى أو فى مستوى تأثّر العلاقات الدولية والاقتصادية والأمنية بالسياسات الخاصّة التى سيصوغها من فاز فى الانتخابات، والتى سيكون لها انعكاس على أوضاع العرب والمسلمين فى عدّة بلدان من العالم. أدرك المتابعون لانتخابات 2020 أنّها ذات «نكهة» خاصة، وهو أمر راجع إلى شخصية «ترامب» المثيرة للجدل، وتصريحاته الصادمة وسلوكه غير المتوقع وردود أفعاله الغريبة، وخطاباته وتعليقاته على «تويتر» المرسّخة لشعبوية سياسية وثقافية واضحة المعالم، وهى شعبوية باتت تجذب المتابعين وتدفعهم إلى الاعتراف بعناصر التسلية والفكاهة فى مسار الانتخابات الأمريكية.
أمّا المحلّلون العرب والإعلاميون والدارسون فقد ألفوا تناول الحدث الانتخابيّ وما يطرحه من إشكاليات كأساليب الدعاية السياسية، والخروق القانونية، والتغطية الإعلامية المنحازة، والعلاقة بين المترشحين.. من زوايا نظر متعدّدة منها: ما يتصل بالعلوم السياسية والدراسات القانونية ودراسات الميديا، وغيرها. ولكن ترى الكاتبة أن قلّما يتوقّف هؤلاء عند علاقة الانتخابات بسياسات الهويات والخلفية الجندرية فى تقاطعها مع العرق والدين والسن والتوجهات الجنسانية وغيرها رغم أنّ الجدل قد احتدّ منذ أسابيع حول مجموعة من المترشحات للكونجرس اللواتى أعيد انتخابهن بنسب عالية ضد مرشحين جمهوريين نذكر على سبيل المثال المسلمتان إلهان عمر (من أصول صومالية ــ محجبة) ورشيدة طليب (من أصول فلسطينية) (عن ولايتى ميشغان ومينيسوتا)، وقد عرفتا بالحضور الملفت للنظر داخل الكونجرس، وذلك من خلال الانتقادات الشرسة لسياسات «ترامب».
إنّنا إزاء جيل جديد من النساء اللواتى قاومن التمييز المركّب على أساس الجندر والدين والعرق والسنّ.. ونجحنّ فى كسب المعركة الانتخابية من جديد، وانتزاع الاعتراف. وقد استطعن دخول موقع صنع القرار والتأثير فى الجماهير والتفاوض مع سلط أخرى على قاعدة المواطنية الكاملة والقانون فخرجنّ من الهامش إلى المركز ومثلّن الزعامة النسائية بامتياز.
أمّا «مجتمع الميم ــ كعابرى الجنس وغيرهم» فقد سجّلوا/نّ حضورا فاعلا وبشكل غير مسبوق فى المسار الانتخابى، وامتلكوا/ن الصوت فى مواطن صنع القوانين والسياسات نذكر على سبيل المثال مورى تورنر المترشحة عن ولاية أوكلاهوما التى استطاعت فرض نفسها، ودافيد أورتيز المترشح عن كولورادو وهو «مزدوج الميول الجنسية» ومن ذوى الاحتياجات الخصوصية.
وفى مقابل الإرباك الحاصل على مستوى سياسات الهويات وفق ثنائيات: العزل/الإدماج، الفصل/ الوصل، التهميش/ الاحتواء.. والذى أفضى مؤخرا إلى خضوع المشرّع وعدد من «صناع السياسة» لمطالب الجمعيات الناشطة فى المجال الحقوقى والداعية إلى «ديمقراطية المجتمع الإدماجى» تشير الانتخابات الأمريكية إلى بروز نشاط مكثّف للحركات المعادية لحقوق النساء وشنّها حملات ضدّ كلّ مرشّح يقبل بمنح النساء حقّهنّ فى الإجهاض، إضافة إلى تشكلّ حركات جديدة نذكر من بينها «أولاد فخورون» التى تعدّ حركة قومية متطرّفة، وقد منعت من النشاط فى شبكات التواصل الاجتماعى بسبب خطابها الداعى إلى كره النساء، والمهاجرين والحركات النسوية.. وبالرغم من ممارستها للعنف وسعيها إلى ترسيخ الأيديولوجيا الذكورية فإنّ «ترامب» اعتبرها من بين الحركات الداعمة له فى حملته الانتخابية إذ لا يمكن لأمريكا أن تسود العالم دون صناعة ذكورة مهيمنة.
تشير الكاتبة أن هذا لم يكن على هامش الانتخابات بل هو فى صلبها وهو يشير إلى تصوّر جديد لسياسات الانتماءات والهويات والقوميات وغيرها إذ حضر السود وعابرو الجنس وعدد من المسلمات والإثنيات وأصحاب الجنسانيات المغايرة وأصحاب الاحتياجات الخاصة وغيرهم، وهو ما يضع المجتمع الأمريكى أمام تحديات كبرى من أجل إدارة فنّ العيش معا فى مناخ اتّسم فى السنوات الأخيرة، بالصراعات والعنف والإقصاء. فهل ستتمكّن الولايات المتحدة الأمريكية من اجتياز الاختبار الداخليّ وبناء مجتمع منسجم أم أنّها ستدخل مرحلة تاريخية جديدة «يتصدع فيها البنيان» ويتلاشى فيها الحلم الأمريكى وأسطورة الرجل الأبيض؟