هناك سؤال يطرح بشدة مؤخرا على الساحة الأمريكية وهو: هل ترامب مختل عقليا؟ وقد ذكر موقع بيزنس إندسيدر Business Insider وهو واحد من أهم المواقع المعنية بشئون المال والأعمال أن القلق بدأ يتزايد لدى أصدقاء الرئيس ترامب والمقربين منه فى الأسابيع الأخيرة نظرا لأنه أصبح متقلب المزاج بشكل متزايد وأصبح لا يمكن التنبؤ بأفعاله أو أقواله العلنية Emotionally Unstable and Unpredictable حيث استحوذ عليه هاجس الهجوم الإعلامى وأصبح هو الشىء المسيطر على تفكيره فأخذ ينفجر بلا رؤية ضد مهاجميه وأحيانا ضد أصدقائه وبشكل علنى.
وقد ذكرت جريدة الواشنطن بوست أن « قدرته على الإيذاء فى تزايد متسارع وأنه يقترب من (الجنون المطبق Pure Madness )».
وقد ذكر الجنرال المتقاعد بارى ماك كافرى لجريدة البوست أن «حكم ترامب على الأشياء وتقديره للعواقب أصبح محل تساؤلات كبيرة»، فقد اتخذ مثلا قراره بفرض رسوم جمركية على واردات أمريكا من الصلب والألومنيوم دون استشارة أحد، وعندما هددت أوروبا باتخاذ إجراءات مماثلة ضد المنتجات الأمريكية، هدد هو بفرض رسوم حمائية على السيارات الأوروبية... وقال ردا على منتقديه الذين حذروه من أنه يسير فى طريق الحرب التجارية.. قال «لا بأس بالحرب التجارية.. إنها أمر جيد.. ».
ومن أمثلة تعليقاته الغريبة هذا الأسبوع، إعلان إعجابه بتعديل الدستور فى الصين الذى يقضى بإلغاء المادة الخاصة باقتصار مدة الرئاسة على فترتين.. وإعلانه أنه من الأمور الجيدة «أن يكون الرئيس متقلبا ولا يمكن التنبؤ بأفعاله لأن ذلك يربك الأطراف الأخرى!!»..
***
وفى الواقع أن ترامب يتعرض لضغوط شديدة من عدة جهات، فالتحقيقات فى التدخل الروسى فى الانتخابات لصالح حملته أصبحت تقترب منه شخصيا، كما أن كوشنر زوج ابنته وأهم مستشاريه والمكلف بملف الشرق الأوسط، أصبح رسميا «شخصا غير مؤتمن على الأسرار»، ويعنى ذلك عدم استطاعته الاطلاع على الوثائق السرية.. كما أن الفضائح الجنسية لا تتوقف وآخرها سداد محاميه مبلغ 130 ألف دولار لإحدى بائعات الهوى لشراء صمتها..
ولا شك أن ذلك كله يشكل خطورة كبيرة على العالم أجمع وعلى الأمة العربية بوجه خاص، ذلك أن الشواهد تدل على أن ترامب أصبح فى أمس الحاجة إلى تأييد اللوبى الصهيونى، وفى المقابل فإن نتنياهو – هو الآخر – تحاصره قضايا الفساد وهو فى حاجة إلى استغلال ضعف ترامب لابتزاز المزيد من التنازلات..
فبعد أن حصل على اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل سعى لكى يعجل نقل السفارة الأمريكية إليها، وقد استجاب ترامب ووافق على الإسراع بنقل السفارة لكى تفتح فى الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل (ذكرى النكبة) بعد أن كانت تعتزم تأجيل تنفيذ القرار حتى يتم بناء مبنى جديد قد يستغرق أكثر من سنتين وخلال زيارة نتنياهو الحالية لواشنطن أعلن ترامب أنه قد يحضر شخصيا حفل افتتاح السفارة فى القدس وأعاد تكرار مقولته السابقة بأن إزاحة القدس من على مائدة التفاوض (أى بإعطائها لإسرائيل) سيسهل التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية من خلال ذلك سيسعى نتنياهو للحصول على موافقة أمريكا على ضم المستوطنات إلى إسرائيل وذلك لإزاحة المستوطنات أيضا وإخراجها من نقاط التفاوض، ولاشك أن مشكلة اللاجئين قابلة للإزاحة وقد بدأت بوادر ذلك من خلال محاولات ترامب تفكيك وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) ووقف المساهمة الأمريكية فى ميزانياتها والتشكيك فى تعريف اللاجئ وهل ينصرف الوصف على الجيل الثانى والثالث لأبناء اللاجئين.
وبالطبع فإن الذى سهل على أمريكا اتخاذ هذه الخطوات التى لم تجرؤ أى إدارة سابقة على اتخاذها، هو الموقف العربى الهزيل.. وقد كررت نيكى هيلى سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة والمقربة من ترامب مقولتها بأن الكثيرين حذرونا من اتخاذ هذا القرار وقالوا لنا إن السماء ستقع على الأرض وأن هدير الغضب سينفجر من أرض الحرمين ومركز الإسلام السنى، ولكننا لم نسمع هديرا كما أن السماء ما زالت فى مكانها..
وهكذا اتضحت ملامح ذلك الشىء الغامض الذى يسمى «صفقة القرن».. وهو تعبير يتداول فى الإعلام دون أن يعرف أحد مضمونه أو خطوطه العريضة..
***
لقد هانت الأمة العربية على العالم أجمع كما لم تهن من قبل وأصبح مصير دولها تقرره واشنطن وموسكو وطهران وأنقرة، بينما فى أزمنة سابقة كانت العواصم المؤثرة فى مجريات الأمور فى الشرق الأوسط العربى هى القاهرة ودمشق وبغداد ثم انضمت إليهم الرياض بعد الحقبة النفطية ولكن دور الرياض كان خافتا.. والآن بعد تهاوى بغداد ودمشق فلم يبق إلا القاهرة والرياض..
لذلك فمن المهم متابعة الجولة التى بدأها محمد بن سلمان ولى العهد السعودى بالقاهرة ثم لندن ثم واشنطن خاصة وأن زيارة واشنطن ستتم على أثر انتهاء زيارة نتنياهو.. ثم سيتلو ذلك بدء الاستعدادات لعقد القمة العربية فى الرياض.. ولهذه القمة أهمية خاصة لأنها أول لقاء للقادة العرب بعد الاعتراف الأمريكى بضم إسرائيل للقدس وبعد التغيرات الكثيرة التى حدثت فى الساحة العراقية والسورية على وجه الخصوص وفقدان داعش «لعواصمها» فى الموصل والرقة وانتشار أفرادها فى صحارى البلدين وفى البلدان المجاورة.
وبدء تثبيت أركان نظام الأسد خاصة بعد استعادته لأجزاء كبيرة من الغوطة الشرقية المجاورة للعاصمة دمشق.. ثم التحالف الجديد بين روسيا وإيران وتركيا، وسماح أمريكا بتوغل تركيا فى المناطق الخاضعة لقوات حماية الشعب الكردى الموالية لأمريكا..
قمة الرياض ستكون فرصة لإسماع العالم «صوت العرب» فيما يجرى فى بلادهم.. وأتمنى أن يتم التمسك بالمبادرة العربية الخاصة بالتسوية السلمية لقضية فلسطين فهى الحد الأدنى الذى يجب عدم المساس به، كما أتمنى أن يتم التطبيق العملى للموقف المصرى السعودى المشترك الذى أعلنه المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بأنه تم الاتفاق على أن مشاكل المنطقة لا تحل إلا من خلال العملية السياسية.. أى لا يوجد حل عسكرى لمأساة اليمن وسائر المآسى العربية.
***
أعتقد أن القمة العربية القادمة.. والرمزية القوية التى يعكسها انعقادها فى أرض الحرمين الشريفين وبرئاسة خادم الحرمين الشريفين ستكون آخر فرصة أمام العرب لاتخاذ قرارات جدية قد تساعد فى استعادة إدارة ترامب لصوابها، وأتمنى أن توجه مصر والسعودية أجندة الاجتماع نحو سياسة عربية تعيد للعرب شيئا من الاعتبار المفقود وعلى القادة العرب أن يعلموا أن تحقيق مصالحهم ومصالح شعوبهم الحقيقية – سواء الجماعية أو الثنائية – إنما تكمن فى قدرتهم على التأثير فى مصالح الآخرين، وأتمنى أن تخرج القمة بمواقف واضحة وعملية تجاه المأساة السورية وتحرك نشط وفعال يتيح للعرب – على الأقل – مقعدا على الموائد التى تقرر المصير السورى ويوازن النفوذ التركى الإيرانى الروسى والأمريكى وهى الأطراف التى خلت لها الساحة فى غياب الوجود العربى، فهل تحقق القمة العربية شيئا من هذا أم أن هذه تمنيات بعيدة المنال.