تدل المعلومات الصناعية المتوافرة أن العقوبات الأمريكية والأوروبية على صادرات النفط الإيرانية بسبب الخلاف حول الملف النووى الإيرانى قد أدت إلى انخفاض هذه الصادرات إلى نحو 700 ألف برميل يوميا فى شهر مايو، وهذا ادنى مستوى لهذه الصادرات خلال عقود (منذ الثمانينيات اثناء الحرب العراقية ــ الايرانية).
وكان معدل الصادرات يتراوح نحو 2.4 مليون برميل يوميا مقارنة بمعدل الانتاج البالغ نحو 3.5 مليون برميل يوميا خلال السنوات الاخيرة. ويأتى هذا الانخفاض قبل الاجراءات العقابية الاضافية التى ستفرضها الولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، والتى تهدف إلى تقليص الصادرات إلى نحو 500 ألف برميل يوميا.
وتشمل العقوبات الحالية الحظر على تصدير النفط الخام والمنتوجات البترولية الإيرانية إلى الأسواق الدولية، وتم الضغط على الدول الآسيوية مثل اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية لحجب أو تخفيض وارداتها من النفط الإيرانى.
الجدير بالذكر أن هذه الدول الاسيوية تستورد معا أكثر من 60 بالمائة من صادرات النفط الإيرانى، كما تم الحضر على تطوير الصناعة النفطية الإيرانية، بحيث فرض حظر وعقوبات على الشركات الهندسية والخدمية العالمية التى تتعامل مع طهران.
أما العقوبات الجديدة والتى صدرت بشكل ثلاثة تشريعات خلال الأسبوع الماضى، فتشمل بدورها ضغوطا إضافية على العملة الايرانية التى تدهورت قيمتها بنحو النصف خلال العام الماضى جراء العقوبات الاولى، إذ ستفرض عقوبة على أى مؤسسة عالمية تتعامل بشكل واسع بالعملة الإيرانية،
وهذه العقوبات على الريال الإيرانى نفسه هى المرة الاولى التى تستهدف فيها العملة المحلية بشكل خاص، ومحاولة الضغط على صناعة السيارات المحلية، التى تشغل الآلاف من العمال والموظفين، بالإضافة إلى توفير دخل مالى مهم للحكومة الإيرانية. وتأتى هذه العقوبات الجديدة قبيل الانتخابات الرئيسية الإيرانية.
وتشكل هذه العقوبات الجديدة وتوقيتها مثالا صارخا فى عدم جدية حكومة الولايات المتحدة فى التفاوض الجدى مع ايران لاغلاق الملف النووى. وذكر المرشح الرئاسى ورئيس فريق المفاوضين فى المحادثات النووية سعيد جليلى، أن بلاده لن تساوم أبدا على الموضوع النووى وأن لا تأثير للعقوبات عليها.
وهذا طبعا أمر مبالغ فيه من قبل المرشح الرئاسى، وخير دليل على ذلك هو الضائقة الاقتصادية فى البلاد وكون الملف الاقتصادى وشكاوى المواطنين حوله تشكل البند الأول فى اهتمام المواطنين خلال الحملة الانتخابية. لكن فى نفس الوقت لا يمكن تجاهل تأثير العقوبات على قيمة الريال أو النقص فى المواد الاستهلاكية.
إلا أن السياسة الإيرانية لم تتغير من جهة، بالذات بخصوص الملف النووى، وفى نفس الوقت استمرت فى تزويد النظام السورى خلال الحرب الأهلية بما يحتاجه من سيولة مالية وتجهيزات عسكرية ومنتجات بترولية.
●●●
تخوفت الأسواق العالمية من نقص فى امدادات النفط الخام، واستغل المضاربون، كالعادة هذا الخوف فى الاسواق، فارتفعت الأسعار إلى ما فوق 100 دولار للبرميل وحافظت على هذا المستوى طوال الفترة الماضية رغم استمرار الامدادات النفطية على مستواها بصفة عامة من كل من دول منظمة اوبك أو الدول من خارج المنظمة.
فالحقيقة أنه لم ينخفض مجمل معدل الامدادات من دول منظمة اوبك، إذ استمر انتاج دول المنظمة يتراوح حول معدل 30 مليون برميل يوميا، وتم تعويض النقص فى الصادرات الإيرانية بزيادة الانتاج من الدول النفطية الخليجية المهمة (السعودية والإمارات والكويت) وذلك من خلال استعمال جزء من الطاقة الإنتاجية الفائضة المتوافرة فى كل من هذه الدول.
وكذلك تزامن النقص فى الصادرات الإيرانية مع ارتفاع انتاج الدول غير الاعضاء فى اوبك، وذلك بزيادة انتاج النفط الامريكى المحلى، بسبب انتاج النفط الصخرى، مما خفض من الواردات الامريكية. ونجد بالفعل ان صادرات نيجيريا إلى الولايات المتحدة قد انخفضت بشكل اساسى، وتحولت كميات كبيرة من نفوطها إلى الاسواق الآسيوية التى كانت تعتمد على النفط الايرانى.
من ناحية اخرى، اعتقد الخبراء النفطيون الإيرانيون أن نقص الامدادات النفطية الايرانية سيزيد من الازمة الاقتصادية الصعبة فى اوروبا. وبنيت الفرضيات الإيرانية على كلفة تهيئة مصافى النفط الاوروبية المصممة خصيصا لتتناسب مع النفط المستورد من إيران.
لكن اتضح أن هذه الكلفة أقل بكثير مما كان متوقعا، كما أن تاثيرها على الاقتصاد الاوروبى كان محدودا، هذا ناهيك أن استيراد أوروبا للنفط الخام قد تقلص كثيرا بسبب الأزمة الاقتصادية نظرا لانخفاض الطلب على الطاقة.
●●●
ما هو التأثير الفعلى للعقوبات الاقتصادية هذه؟ من الواضح أن هذه العقوبات لم تغير السياسات المنوى تغييرها، مثل الملف النووى. كما أنه من الواضح أن تأثير العقوبات هو اضرار بمصالح المواطنين وليس الطبقة الحاكمة نفسها، والتى بالكاد تتأثر بهذه العقوبات.
ونأخذ، مثلا، بتجربة العقوبات على العراق خلال عقد التسعينيات، نجد ان من أهم آثار العقوبات هو إنهاك معنويات المواطنين وإضعافهم اجتماعيا واقتصاديا، ناهيك عن زيادة حجم عصابات التهريب وأرباح المهربين، ومن يتعاون معهم من المسئولين الرسميين. ولا يوجد شك أن هذا ما يحدث فى إيران اليوم.
أما بالنسبة للانظمة، فهى تتخذ من سياسات الحصار كوسيلة لتقوية نظامها محليا واستغلال البشاعات التى تنتج عنه. ومن ثم، فإن سياسات الحصار التى شاهدناها ونشاهدها تثير الكثير من التساؤلات حول نجاعتها وأهدافها الحقيقية، وفيما إذا هى حقيقة وسيلة ناجحة للضغط على الحكومات الشمولية، أم أنها ترتد سلبيا على الحكومات التى تفرضها؟
مستشار فى نشرة ميس «MEES» النفطية