معركة تكسير العظام حتى سبتمبر - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 5:59 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معركة تكسير العظام حتى سبتمبر

نشر فى : السبت 9 يوليه 2011 - 9:42 ص | آخر تحديث : السبت 9 يوليه 2011 - 9:42 ص
استنفرت إسرائيل قواها الخارجية والداخلية، وألغت إجازات سفرائها بالخارج، ووجهت رسائل مليئة بالمغالطات إلى عواصم العالم، كل ذلك فى محاولة لإجهاض مسعى حصول فلسطين على عضوية الأمم المتحدة فى سبتمبر المقبل. وكما هو متوقع نجح اللوبى الإسرائيلى النافذ فى الولايات المتحدة (إيباك) فى إصدار قرار من مجلس الشيوخ يوم 28 يونيو الماضى، يدعو الحكومة الأمريكية إلى استخدام حق الفيتو ضد أى مشروع قرار تتقدم به السلطة إلى مجلس الأمن لتحقيق هذه الغاية.

بل وحملت صياغة قرار الشيوخ تهديدا بقطع المساعدات المالية الأمريكية عن السلطة إذا ما مضت قدما فى هذا الاتجاه. ومن ناحية أخرى قام الجيش الإسرائيلى بإجراء تدريبات حول أفضل أساليب مواجهة زحف أعداد كبيرة من الفلسطينيين فى اتجاه المستوطنات، يأتى متزامنا مع عرض القضية على الأمم المتحدة.

●●●

فيا ترى ما هى الأسانيد والحجج التى ساقتها إسرائيل لحمل الدول على إحباط المسعى الفلسطينى. أول حجة دفعت بها إسرائيل هى القول إن خطة الالتجاء إلى الأمم المتحدة هى خطوة انفرادية ومن جانب واحد. لا تشير إسرائيل طبعا إلى أن إعلان قيام دولة إسرائيل فى 14 مايو 1948 جاء بناء على قرار إسرائيلى من جانب واحد، بعد أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بتقسيم فلسطين يوم 29 نوفمبر 1947. ولم تتوقف إسرائيل منذ نشأتها عن اتخاذ القرارات الانفرادية الواحد تلو الآخر.

شنت الحروب، وواصلت الاعتداءات، وأقامت المستوطنات، وأعلنت ضم القدس، وأقامت الجدار العازل.. والقائمة تطول.

والحجة الثانية فى جعبة إسرائيل هى القول بأن التوجه ناحية الأمم المتحدة إنما يقضى قضاء مبرما على عملية التفاوض، وكأن عملية التفاوض تجرى على قدم وساق، وأن الخطوة الفلسطينية سوف تضع نهاية لها! هل ترك نتنياهو للفلسطينيين قضية واحدة يمكن التفاوض حولها؟. ألم يعلن، دون خجل أو مواربة أمام الكونجرس الأمريكى يوم 24 مايو الماضى رفضه العودة لخطوط ما قبل الخامس من يونيو 1967، وأكد أن حل مشكلة اللاجئين يجب أن يتم بعيدا عن إسرائيل، كما أن القدس يجب أن تبقى عاصمة إسرائيل الأبدية والموحدة؟

أما حجتها الثالثة فهى أن الخطوة الفلسطينية تنطوى على انتهاك لاتفاق أوسلو لعام 1993. تتجاهل إسرائيل بالطبع أن الترتيبات الانتقالية التى نص عليها الاتفاق لم تكن تزيد مدتها على خمس سنوات، يتم خلالها التفاوض حول قضايا الحل النهائى: الحدود والأمن والمستوطنات واللاجئين والقدس.

لم تحترم إسرائيل ذلك الإطار الزمنى، بل اتخذت من الإجراءات ما ترتب عليه الإخلال الجسيم بالموقف التفاوضى للسلطة الفلسطينية حيال كل هذه القضايا.

والحجة الأخيرة هى أن الخطوة الفلسطينية ستسحب الشرعية عن إسرائيل. الواقع أن ما ينزع الشرعية عن إسرائيل ليس قيام الدولة الفلسطينية، بل استمرار احتلالها لأراضى الغير والتوسع فى الاستيطان، وحصار غزة. كل ذلك ضد إرادة المجتمع الدولى، وانتهاكا للقرارات الدولية، ومشروعات التسوية التى تضخم بها أرشيف أزمة الشرق الأوسط. ما يسحب الشرعية عن إسرائيل هى عدم تنفيذها التعهدات التى قطعتها على نفسها قبل أن تقبل كعضو فى الأمم المتحدة، وهى التعهدات التى نص عليها صراحة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بقبول إسرائيل كعضو فى المنظمة الدولية والذى يحمل رقم 273 وصدر بتاريخ 11 مايو 1949. كانت التزاماتها هذه تقضى بتنفيذ قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947، وقرار عودة اللاجئين وتعويضهم رقم 194 لسنة 1948!.

●●●

لم يقتصر الأمر على الدفع بهذه الاعتراضات فى وجه السلطة الفلسطينية، بل توعدتها بالويل والثبور وعظائم الأمور. هدد ليبرمان وزير خارجية إسرائيل بضم إسرائيل لكل الأراضى الفلسطينية الواقعة غرب الجدار العازل بشكل رسمى، أى بما عليها من مستوطنات، وأعلن أن إسرائيل ستكون فى حِلّ من كل الاتفاقيات التى وقعتها مع السلطة خلال الثمانية عشر عاما الأخيرة بدءا باتفاق أوسلو.

لا ينبغى أن ترهبنا مثل هذه التهديدات الإسرائيلية، لأن إسرائيل لا تستطيع إعادة عقارب الساعة للوراء. لن تقدم إسرائيل على حل مؤسسات السلطة الفلسطينية، وإغلاق مكاتبها، وهى التى حظيت باعتراف معظم دول العالم بها، وأقامت هذه الدول البعثات التمثيلية على أراضيها. وهل تجرؤ إسرائيل على إعادة الحكم العسكرى الإسرائيلى للضفة الغربية كى يتولى مسئولية إدارة المدارس والمستشفيات وأقسام الشرطة وغير ذلك هناك؟

تضاعف السلطة الفلسطينية هى الأخرى جهودها لإقناع دول العالم بعدالة قضيتها، وحق فلسطين فى أن تحتل مكانها الشرعى بين دول العالم فى المنظمة الدولية. ألغت أيضا من ناحيتها إجازات سفرائها فى الخارج، ودعتهم إلى اجتماع تنسيقى فى مدريد فى الشهر الحالى، وقررت إيفاد مبعوثها ليجوبوا دول العالم من كندا حتى أستراليا ونيوزيلندا لعرض قضيتهم. غير أن المهم ألا يترك أمر خوض هذه المعركة الشرسة إلى الفلسطينيين وحدهم، إنما يتطلب الأمر قيام الدول العربية، منفردة ومجتمعة بدعم الموقف الفلسطينى فى جميع اتصالاتها مع دول العالم منذ الآن وحتى سبتمبر، مستخدمة فى ذلك كل أدوات التأثير التى تحت أيديها.

ولاشك أن وفدا من وزراء خارجية الدول العربية يقوم بزيارة العواصم يمكن أن يحدث الأثر المطلوب والمرجو.

●●●

استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار بإدانة الاستيطان الإسرائيلى فى فبراير الماضى، بالرغم من مواقعها المعروفة فى هذا الشأن. لذلك لن يكون استخدام الولايات المتحدة لهذا الحق فى سبتمبر بالشىء المستبعد أو الغريب، إنما من المهم هنا أن نتذكر أن واجهنا مثل هذا الموقف الأمريكى قبل حرب أكتوبر عام 1973 عندما وقفت أمريكا فى عزلة تامة عن الموقف الجماعى لباقى الدول الأعضاء فى مجلس الأمن التى أيدت حقنا فى ضرورة الانسحاب الإسرائيلى واحترام حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة. لم يفتر عزمنا بسبب الفيتو الأمريكى، ولم يَحُل ذلك دون اتخاذ قرارنا التاريخى بعد ذلك بأشهر معدودات. وعليه فإن استخدام أمريكا للفيتو فى سبتمبر لن يمثل هزيمة للشعب الفلسطينى ولن يكون نهاية لنضاله، بل سيزيد من تصميمه على بلوغ غايته، ويجتذب المزيد من تعاطف ودعم الرأى العام العالمى لقضيته العادلة.

سيكون على الفلسطينيين حينئذ التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على صيغة الاتحاد من أجل السلام»، إذ لن ينازع أحد فى أن استمرار النزاع فى منطقة الشرق الأوسط إنما يهدد فى الصميم السلم والأمن الدوليين.

بقى أن أشير إلى ما تناقلته الأنباء مؤخرا حول نية عقد اجتماع على المستوى الوزارى للرباعية الدولية فى واشنطن يوم 11 يوليو الحالى، من أجل الخروج بخطة سلام جديدة تستند إلى ما طرحه الرئيس الأمريكى أوباما يوم 19 مايو الماضى من أن الحدود بين إسرائيل ودولة فلسطين يجب أن تتأسس على خطوط يونيو 1967، مع تبادل للأراضى متفق عليه. وعقد مثل هذا الاجتماع فضلا عن توقيته، إنما يضمر نية مبيتة على إجهاض التوجه الفلسطينى للأمم المتحدة، وإقناع السلطة الفلسطينية بالعودة مرة أخرى إلى مائدة المفاوضات.

●●●

قطعت السلطة الفلسطينية شوطا طويلا حتى الآن من أجل الحصول على عضوية دولة فلسطين فى الأمم المتحدة، ولاشك أن التخلى الآن عن هذا التوجه، فى غياب تعهدات إسرائيلية، وضمانات دولية، سيصيب الفلسطينيين بخيبة أمل كبيرة، وسيهدر خيارا مهما، من الواضح أن إسرائيل تعمل له ألف حساب.
إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات