صديقك من صدقك، وكل الشكر لكل من أسدى لى نصيحة صادقة بشأن الاستمرار فى العمود اليومى أو الاكتفاء بالمقال الأسبوعى. والأمر حقيقة متعددة الأبعاد، فهناك من يعتقد أنها تجربة جيدة لابد أن تستمر لأن العمود جيد على أقل التقديرات ويبدو مكملا للمقال الأسبوعى، وهناك من يشفق على العبد الفقير من المجهود وتشتت التركيز، وهناك من يرى أن العمود لا إضافة فيه لأننى لا أمتلك أدواته وهناك من يرى أن أى تجربة جديدة تحتاج مساحة من الوقت قبل الحكم عليها.
وأيا ما كان رأى الناصح الكريم فلابد أن أوضح وجهة نظرى المتواضعة فى القضية: قضية النهضة. مصر فى النقطة (أ) وينبغى أن تصل إلى النقطة (ب) عن طريق (ج).
النقطة (أ) هى أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأهم من كل ذلك أخلاقنا الشخصية والمدنية. أما النقطة (ب) فهى وضع أفضل لمجتمع مصر ودولتها التى لها تأثير كبير على محيطها العربى، أما (ج) فهى طريقة فى التفكير واتخاذ القرار أعتقد أنها غائبة عن الكثير منا.
العمود هو نقد اجتماعى وسياسى وأخلاقى لأوضاعنا (فى النقطة أ)، والمقال الأسبوعى هو رسم لصورة المجتمع والدولة كما ينبغى لهما أن يكونا فى حدود فهمى المتواضع (أى النقطة ب) وكيفية الوصول لهما (أى النقطة ج).
العمود اليومى يتعمد وجود «بشر» يتحدثون من خلال العمود ويوجهون رسالة للآخرين (مثل مذكرات الطفل شهاب الدين عن الصدام بين متطلبات التعليم وقواعد التربية المنتهكة فى مدارسنا أو محمد خطاب الحلاق الذى يتحدى بسلوكه الشخصى القبح فى شوارعنا أو صديقى سيد الابيقورى الذى يرى أن «فاضية زى محملة»).
أما المقال الأسبوعى فهو اجتهاد أكثر تفصيلا فى كيفية تحويل الأفكار النظرية إلى واقع ملموس من خلال تجارب الدول الأخرى أو تجربتنا الذاتية فى مصر ومنطقتنا العربية، أى هى محاولة لما يسميه صديقى مصطفى حجازى «فلسفة تطبيقية».
المقال والعمود يكمل بعضهما بعضا. وحين سُئِل جون ستيورت ميل: «هل أنت عالم رياضيات، أم دارس للمنطق، أم فيلسوف، أم مفكر اقتصادى، أم منظر سياسى؟» فكان رده بكل تواضع: «أنا باحث عن الحقيقة، وأثناء بحثى أجدنى على شواطئ كل هذه الحقول المعرفية». ولأننى لست بقدره أو قامته فأنا فقط أحاول أن أفهم ولهذا كان اسم العمود: «محاولة للفهم».