هذا ما أراه - توماس فريدمان - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 3:44 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

هذا ما أراه

نشر فى : الأربعاء 9 ديسمبر 2009 - 11:10 ص | آخر تحديث : الأربعاء 9 ديسمبر 2009 - 11:10 ص

 دعونى أبدأ بالنتيجة ثم أخبركم كيف توصلت إليها: لا يمكن أن أتفق مع قرار الرئيس أوباما بالتصعيد فى أفغانستان. كنت أفضل اتباع نهج للحد الأدنى، والتعاون مع الزعماء القبليين بالطريقة التى اتبعناها فى الإطاحة بنظام طالبان فى المقام الأول. ونظرا لأننا بحاجة الآن لبناء أمتنا، فأنا فى أمريكا على استعداد للعيش بقدر أقل بعض الشىء من الأمن، وأفغانستان أقل بعض الشىء من الكمال.

وأعترف بأن هناك حججا قانونية على الجانب الآخر. وأثناء حفل غداء مع كتاب الرأى الثلاثاء الماضى، قال الرئيس بوضوح إن التصعيد الآن لمساعدة الأفغان فى إعادة بناء جيشهم ودولتهم بشكل لائق ــ لكسب ولاء الشعب الأفغانى ــ يشكل الأمل الوحيد لخلق «نقطة تحول»، تغير مسار الأحداث، لتحقيق استقرار طويل الأمد فى هذه المنطقة. وقد يكون الحال كذلك. وما يجعلنى حذرا تجاه هذه الخطة هو أن الأطراف المحركة، من الأفغان والباكستانيين والحلفاء من دول الناتو، مضطرة للتصرف دائما بطريقة مختلفة عن هذا.

لكن هناك سياقا أوسعا أقيِّم فى إطاره كل هذا؛ إذ تقوم نظرتى إلى السياسة الخارجية منذ 11\9على أربع ركائز:
1ــ مبدأ وارن بافيت، القائل بأن كل ما حصلت عليه فى الحياة يعود إلى حد كبير إلى أننى ولدت فى هذا البلد، أى أمريكا، فى هذا الوقت وفى ظل هذه الفرص المتاحة للمواطنين. والتزام جيلنا الأساسى هو تسليم أمريكا على هذا النحو لأبنائنا.

2 ــ كثيرة هى الأشياء الفظيعة التى تحدث فى العالم دون أمريكا، لكن قليلة هى الأشياء الرائعة. فإذا صرنا ضعفاء وأنهكنا التدهور الاقتصادى والديون ــ كما يحدث لنا الآن ــ فإن أمريكا لن تكون قادرة على القيام بدورها التاريخى فى تحقيق الاستقرار فى العالم. وإذا كنا لم نحب عالمًا أمريكا فيه بالغة القوة، فلن نحب بحق عالمًا أمريكا فيه بالغة الضعف ــ حيث تفرض الصين وروسيا وإيران المزيد من قواعد إدارة اللعبة.

3 ــ إن الأوضاع التى يعيشها الناس هى التى تصوغ كل شىء، من نظرتهم السياسية إلى الدينية. والسبب وراء وجود الكثير من الأشخاص المحبطين والغاضبين فى العالم الإسلامى، ولومهم لحكوماتهم أولا، ثم نحن ثانيا، هو تلك الأوضاع التى يمارسون فيها حياتهم. وهو ما ترده تقارير التنمية البشرية العربية الصادرة عن الأمم المتحدة إلى ثلاثة مثالب: نقص الحريات، وقصور التعليم، وتضاؤل فرص النساء. ويعود السبب فى وجود أقلية مسلمة مزدهرة فى الهند، صاحبة ثانى أكبر كثافة سكانية إسلامية فى العالم(برغم الشكاوى، ليس منهم سجين فى خليج جوانتانامو) إلى الأوضاع التعددية والديمقراطية التى حققتها الهند.

4 ــ من الأسباب الرئيسية لمقاومة العالم العربى الإسلامى للإصلاح السياسى النابع من الداخل أن احتياطيات النفط الضخمة تسمح للنظم فى المنطقة بالبقاء الأبدى فى السلطة، بمجرد الاستيلاء على صنبور النفط، ثم استخدام المال فى تمويل شبكات ضخمة من الأمن والمخابرات لسحق أى حركة شعبية.
وهكذا، أدعو سياسيينا، منذ ما بعد الحادى عشر من سبتمبر، إلى التحلى بما يكفى من الشجاعة لزيادة الضرائب على البنزين والبحث جديا عن مصادر بديلة للطاقة. ويتفق اقتصاديون على أن من شأن هذا خفض السعر العالمى، وحرمان هذه النظم بالتدريج من مصدر التمويل الوحيد الذى يسمح لها باستدامة مجتمعاتها الاستبدادية. والناس لا يتغيرون عندما نخبرهم بأن عليهم هذا؛ بل يتغيرون عندما تخبرهم الأوضاع بأن عليهم أن يتغيروا.

وبالنسبة لى، فإن أسلحة الدمار الشامل لم تكن أهم أسباب حرب العراق. كان السبب هو معرفة إن كنا نستطيع مشاركة العراقيين ومساعدتهم كى يقيموا ما لا وجود له فى العالم العربى: حالة، أو سياق، تكتب فيه مكونات المجتمع ــ الشيعة والسنة والأكراد ــ عقدها الاجتماعى الذى يوضح كيفية العيش المشترك دون قبضة حديدية من أعلى. وقد ثبت أن العراق باهظ الكلفة ومؤلم للغاية. والأخطاء التى ارتكبناها لابد وأن تثبط همة كل من يفكر فى بناء الأمة الأفغانية.

ومع ذلك، فقد أظهرت حرب العراق شيئا مهما، فإذا كان بإمكان العراقيين على تلك الصيغة ذاتية الحفاظ على نفسها للعيش معا أم لا. وهذا، للأسف، لا يزال موضع شك. وفى حال نجاحهم، فسيكون لهذا النموذج أثر كبير على العالم العربى. فبغداد عاصمة عربية كبيرة. وإذا فشل العراقيون، فلن تكون هناك إلا الفتنة الدينية، والتدهور الاقتصادى، والاستبداد، وهى الخلطة المخيفة التى تفرخ الإرهابيين.

كانت العراق تتعلق بـ«الحرب على الإرهاب». وكان غزو أفغانستان، فى رأيى «حربا على الإرهابيين». وبالنسبة لى، كان الغزو يهدف إلى القبض على بن لادن وحرمان القاعدة من الملجأ والوقت. ولم أعتقد أبدا أن بإمكاننا تحويل أفغانستان إلى نرويج ــ وحتى لو فعلنا ــ فلن يكون لذلك صدى خارج حدودها كما هو حادث فى العراق.

وجعل أفغانستان الآن جزءا من «الحرب على الإرهاب» ــ أى مشروع آخر لبناء الدولة ــ لا يعد ضربا من الجنون. كل ما فى الأمر أنه باهظ التكاليف، فى ظل حاجتنا إلى بناء الدولة الأمريكية نفسها، حتى نتمكن من القيام بدورنا العالمى الأكبر. ومن هنا، فإنى أود أن يكون وجودنا فى أفغانستان محدودا. هذا ما أراه. ولهذا فأنا أومن به.

توماس فريدمان  صحفي أمريكي مهتم بشئون الشرق الأوسط
التعليقات