انتهيت هذا الأسبوع من مطالعة عدد من الدراسات العلمية التى تهتم بالاكتئاب. منها دراسة مهمة قارنت بين ما ينجم عن الاكتئاب من إعاقة، وبين مائتين من الأمراض والإصابات المختلفة، فجاء ترتيب الاكتئاب الثانى بعد آلام العمود الفقرى فيما يعرف بألم أسفل الظهر.
دراسة أخرى مفادها أن من يعانون من الاكتئاب إنما هم عرضة للموت المبكر عكس أولئك أصحاب الوجوه الطفولية، حسب تعبير الدراسة، الذين يتمتعون بأعمار طويلة نسبيا.
لماذا الحديث عن الاكتئاب اليوم؟. سؤال ليس الغرض منه الاستفهام؛ إذ لا يغيب عنك عزيزى القارئ أننا جميعا فى مرمى نيرانه هذه الأيام.
بالطبع هناك فارق بين الاكتئاب الذى يسببه عوامل وراثية وهرمونية وبيئية وبين المشاعر الاكتئابية التى تلعب الأحداث والضغوط النفسية العامل الأكبر فيها، لكن قد لا يغيب أيضا عن الذهن أن المشاعر الاكتئابية التى تلعب الأحداث والضغوط النفسية العامل الأكبر فيها قد تكون مقدمة للاكتئاب أو أنها أول درجات المرض.
تبدأ بتراجع وفتور الهمة، الشعور بالإحباط وعدم جدوى أى جهد يبذل للخروج من الأزمات، الدوران فى دوائر مفرغة من المنافشات السفسطائية المحبطة، التعرض لضغوط نفسية مستمرة ومتكررة، الإحساس بالعجز والخوف من المجهول الآتى.
قد يكون بالفعل الكلام سهلا واعتلاء منبر النصيحة وارد لكل مفوه، لكن الواقع أن الأمر بالفعل صعب ويحتاج صبرا جميلا وعزما بلا تراجع. لم تعد المشاعر الاكتئابية تقتصر على تفاقم الأمور الشخصية إنما أصبح الإنسان منا كورق النشاف الذى يمتص الحبر أينما التقاه.
تعدى الأمر الأحزان الخاصة حينما ظهرت أحزان قومية وأخرى عالمية يشترك فيها مواطنو البلد الواحد من مصاعب معيشية ومشكلات محلية، أيضا اتسعت رقعة البعض منها لتشمل العالم بأسره، كتلك الجائحة وتداعياتها التى أشعلت حرب الخوف من خطر لا ريب فيه يحلق فى الأفق.
اهتمت الدراستان بما يحيط بالاكتئاب من ظروف وملابسات وتداعيات. الدراستان وقد تم الإعداد لهما بمقاييس عالمية أتاحت معرفة تفاصيل منها أن تشخيص الاكتئاب وتوافر معلومات عنه للإنسان العادى متاح فى الدول المتقدمة الغنية بصورة مغايرة فى بلدان العالم الثالث. أيضا أن الإعاقة التى تلازم الاكتئاب تختلف فى صورها من مجتمع لآخر رغم أنها تظل دائما مهمة ومؤثرة فى إنتاجية المجتمع أيا كان فى الشمال أو الجنوب.
أما عن التشخيص والعلاج فتشهد تلك الدراستان أن نسبة ضئيلة تلقى رعاية تبدأ بالتشخيص السليم لتنتهى بالعلاج على اختلاف أنواعه. يبدو هذا واضحا فى الفارق الواضح بين المجتمعات المختلفة فى بلاد العالم الغربى الواعية نسبيا لتداعيات الاكتئاب والتى يمكن للمريض أن يعود فيها متعافيا للمجتمع، وتلك المجتمعات الفقيرة التى يتوه فيها المريض ومرضه، لينسحب من الحياة ويدخل شرنقة الإعاقة.
عزيزى القارئ: أرجو أن تكون رسالتى قد وصلتك. إنها دعوة مخلصة لاسترداد العافية النفسية ومقاومة الوقوع فى شراك الإعاقة فتلك إعاقة بلاشك يمكن التراجع عنها، ولا تلزمك بالتعامل معها أو مواءمة حياتك عليها. إنها إعاقة مؤقتة يمكن التعافى منها والتعامل معها على أنها حالة طارئة تحتاج جهدا مخلصا للخلاص منها.