اليوم العالمي لحقوق الإنسان - عمرو وجدي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 1:27 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اليوم العالمي لحقوق الإنسان

نشر فى : السبت 9 ديسمبر 2023 - 8:40 م | آخر تحديث : السبت 9 ديسمبر 2023 - 8:40 م
يحتفل العالم فى العاشر من ديسمبر من كل عام باليوم العالمى لحقوق الإنسان، وهو اليوم الذى اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مثل هذا اليوم من عام 1948 بموجب القرار (217 أ). بدأت قصة هذا الإعلان الإنسانى بفكرة جميلة ثم بجهود حثيثة على مدى سنوات عديدة، منذ تأسيس الأمم المتحدة فى عام 1945، من أجل التوافق على هذا الإعلان الذى صدر بالعبارات التالية، لسيدة أمريكا الأولى فى حينه، ورئيسة لجنة حقوق الإنسان السيدة /إليانور روزفلت فى العاشر من ديسمبر 1948: «نقف اليوم أمام حدث عظيم فى تاريخ العالم وتاريخ الجنس البشرى.. ألا وهو موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على الإعلان العالمى لحقوق الإنسان».
وانطلق الاحتفال باليوم العالمى لحقوق الإنسان رسميا فى عام 1950 عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (423)، دعت فيه جميع الدول والمنظمات الدولية إلى اعتماد يوم العاشر من ديسمبر من كل عام يوما عالميا لحقوق الإنسان.
• • •
يعد السبب وراء الاحتفال عالميا بحقوق الإنسان ومن قبله إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمى لحقوق الإنسان هو ما شهده العالم من ويلات وفظائع وانتهاكات أثناء الحرب العالمية الثانية التى كان لها وقع كبير على الإنسانية وقتل فيها نحو 70 مليون شخص، وتركت إرثا غير مسبوق من إراقة الدماء والدمار، والرغبة فى عدم انتهاك آدمية البشر وعدم تعرضهم للعنف والتمييز، والتأكيد على إعلاء قيم الكرامة والإنسانية والعدالة والمساواة، وتمتع جميع الأشخاص حول العالم بحقوقهم بصرف النظر عن الجنس أو النوع أو اللون أو الجنسية أو السن.. إلخ. وأظهرت هذه الحرب أن الدول التى لا تراعى حقوق رعاياها لن تمتنع عن إغراق العالم فى صراعات رهيبة من أجل تحقيق أهدافها الملتوية. وقد أدرك مؤسسو الأمم المتحدة أنه لا يمكن تحقيق السلام إلا عندما تحترم حقوق الإنسان، وعزموا على إنشاء إطار مشترك يمكن لجميع الدول أن تتبناه، وهو عبارة عن مجموعة من الحقوق العالمية التى تعترف بأولوية كرامة الإنسان الفردية.
وعندما اعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمى بعد تأييد 48 من الدول الأعضاء له، وامتناع ثمانى دول عن التصويت، أعلن أنه «المثل الأعلى المشترك الذى يجب أن تبلغه جميع الشعوب وكافة الأمم»، كما يسعى جميع أفراد المجتمع وهيئاته، واضعين هذا الإعلان نصب أعينهم على الدوام، ومن خلال التعليم والتربية، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات، وأن يكفلوا بالتدابير المطردة الوطنية والدولية، الاعتراف العالمى بها ومراعاتها الفعلية، فيما بين شعوب الدول الأعضاء ذاتها وفيما بين شعوب الأقاليم الموضوعة تحت ولايتها على السواء.
• • •
يتضمن الإعلان مجموعة كبيرة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبالرغم من أن هذا الإعلان لا يحمل أى صفة إلزامية بوصفه مجرد إعلان لا يخضع لمصادقة الدول، إلا أن قيمته تكمن فى أنه شكل أول تقنين لعملية حقوق الإنسان وانتقل بها من الإطار الوطنى إلى الإطار الدولى، كما أنه شكل مصدر إلهام لإعداد العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان.
يمثل الإعلان أهم وثيقة حقوقية عززت مفهومى الكرامة وعدم التمييز، وما يرتبط بهما من قيم كالمساواة والعدالة وسيادة القانون. كما أنه أكثر وثيقة ترجمت فى العالم، حيث أنه متوفر بأكثر من 500 لغة، ولا يزال يحافظ اليوم على أهميته تماما كما كان حاله يوم رأى النور.
كما جاء الإعلان ليؤكد أن أساس الحرية والعدل والسلام فى العالم يأتى من إقرار ما لجميع البشر من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة للجميع؛ كما شكل الإعلان مخططا عالميا للقوانين والسياسات الدولية والوطنية وأساسا متينا لأجندة التنمية المستدامة لعام 2030. ولم يأت اختيار كلمة «عالمى» فى عنوان الإعلان العالمى لحقوق الإنسان اعتباطا، بل كان مؤشرا على أن الإعلان جاء نتاجا لتوافق الآراء حول شريحة واسعة من الحقوق العالمية.
واليوم، فإن تحقق الموافقة العامة لجميع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة على حقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها فى الإعلان، أكسبها مزيدا من القوة أيضا وأبرز أهمية حقوق الإنسان فى حياتنا اليومية. وقد أثبتت التجربة الإنسانية بأن تجاهل حقوق الإنسان قد أفضى إلى أعمال أثارت بهمجيتها الضمير الإنسانى، ما أكد أهمية المناداة ببزوغ عالم يتمتع فيه الإنسان بحرية القول والعقيدة والتحرر من الخوف والفاقة، والعيش فى أجواء التقدم الاجتماعى وتحسين مستويات الحياة فى جو أفسح من الحرية، وفى أجواء تنمية العلاقات الودية بين الأمم، مع تمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانونى على أساس من القواسم المشتركة والفهم المشترك لهذه الحقوق، حتى لا يضطر إنسان للتمرد على الطغيان والاضطهاد، ولمعاملة الآخرين غير السوية له.
وها نحن نحتفل بالذكرى الخامسة والسبعين لاعتماد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، تشهد مناطق كثيرة من العالم حاليا انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان وتراجعا فى التمتع بحقوق الإنسان الأساسية فى ظل انتشار الأوبئة والأمراض والتى تفتك وتحصد ملايين الأرواح حول العالم، والتدهور المناخى والبيئى والذى أدى إلى الاحتباس الحرارى العالمى وارتفاع درجة حرارة الأرض، وازدياد العمليات الإرهابية والصراعات المسلحة والحروب والتى تسببت فى وقوع العديد من الضحايا وزيادة عدد الأشخاص اللاجئين والمهاجرين وطالبى اللجوء، وتقلص الحيز الديمقراطى بسبب القيود التى تفرضها بعض الدول على الحق فى حرية الرأى والتعبير، وزيادة نسبة الإفلات من العقاب نظرا لعدم محاسبة ومعاقبة من قاموا بارتكاب الجرائم، وتفشى العنصرية والتمييز وعدم المساواة والتعصب والكراهية على نطاق واسع نتيجة الظلم والإقصاء الذى تعانى منه بعض الجماعات.
كما أن التكنولوجيات الرقمية ومنها الذكاء الاصطناعى والأسلحة الذاتية التشغيل وتكنولوجيات المراقبة تضع البشرية فى مهب مخاطر جديدة وعميقة تهدد حقوق الإنسان.
• • •
من المؤسف أن تتزامن الذكرى السنوية لاعتماد الإعلان العالمى هذا العام وكذلك اتفاقية منع الإبادة الجماعية مع مرور 75 عاما على الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، فى وقت يشاهد فيه المجتمع الدولى عبر وسائل الإعلام المختلفة، ولأول مرة فى تاريخ الإنسانية، وعلى مدى أكثر من شهرين، ارتكاب إسرئيل، على مرأى ومسمع الجميع، انتهاكات جسيمة ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة تصل إلى حد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فى انتهاك صارخ للمبادئ الإنسانية ولقواعد القانون الدولى.
ويعد الاحتفال باليوم العالمى لحقوق الإنسان فرصة لإعادة التأكيد على أن جميع حقوق الإنسان مترابطة وعالمية وغير قابلة للتجزئة، وأنه لا يمكن سلبها كونها مرتبطة بحقيقة الوجود البشرى، وأن للبشر جميعا الحق فى الحصول عليها على قدم المساواة وبدون تمييز بصرف النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الوضع الاجتماعى، وأنه لا يجب تقييدها إلا فى إطار حالة الضرورة، وأنها أساسية لضمان السلام والاستقرار والأمن والديمقراطية وسيادة القانون والتنمية المستدامة.
كما أنها فرصة للتأكيد على أهمية اتخاذ الدول لكافة التدابير اللازمة لإعمال حقوق الإنسان والتمتع بها، وتنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وحماية الأشخاص من انتهاكات حقوق الإنسان، ونشر الوعى بالقيم الواردة فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وفى الاتفاقيات الدولية الأخرى، حيث أن تعزيز وحماية حقوق الإنسان يبدأ بالوعى وبالإدراك العميق، وبتوافر الإرادة لدى الجميع.
إن إعادة بناء عالم أكثر عدلا وإنصافا يتسع للجميع بدون تمييز، واتخاذ خطوات نحو المستقبل الذى نصبو إليه، وتحقيق الازدهار والرخاء والعيش الكريم للإنسانية جمعاء يبدأ باحترام حقوق الإنسان ووضع حد لانتهاكاتها، والتأكيد على حق الشعوب فى العيش بكرامة وحرية بدون قيود.
كما أن هناك حاجة إلى إعادة غرس القيم الإنسانية والحكمة وإيقاظ ضمائر أولئك الذين يتجاهلون الانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة بحق 2,5 مليون فلسطينى وفلسطينية فى قطاع غزة ويعتبرونها بمثابة أضرار عرضية للحرب الجارية، فى مثال واضح لازدواجية المعايير.
عمرو وجدي باحث فى مجال حقوق الإنسان
التعليقات