تصورات أخرى فى نهاية الزمن - محمد السماك - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 5:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تصورات أخرى فى نهاية الزمن

نشر فى : الأحد 10 يناير 2010 - 9:44 ص | آخر تحديث : الأحد 10 يناير 2010 - 9:44 ص

 فى عام 1985 أجرى «المعهد المسيحى» فى واشنطن (وهو معهد متخصص فى الدراسات الدينية عن الإسلام والمسيحية واليهودية) دراسة بإشراف القس أندرو لانج حول إيمان الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان بنظرية هرمجيدون. ونقل عنه قوله: «أتمنى أن يكرمنى الله بأن أضغط على الزر النووى حتى تقع هرمجيدون وأساهم بذلك فى تحقيق الإرادة الإلهية بالعودة الثانية للمسيح».

وكان الرئيس ريجان يعتقد :«أن جميع النبوءات التى يجب أن تتحقق قبل معركة هرمجيدون قد مرّت..ففى الفصل الـ38 من حزقيال نرى كيف أن الله سوف ينتشل بنى إسرائيل من بين الوثنيين حيث يكونون مشتتين ويعيدهم جميعا مرة ثانية إلى الأرض الموعودة. لقد تحقق ذلك أخيرا بعد ألفى سنة، ولأول مرة يبدو كل شىء فى مكانه بانتظار معركة هرمجيدون والعودة الثانية للمسيح».

وجاء فى دراسة الدكتور لانج: «أن إمكانية إيمان رئيس الولايات المتحدة بأن الله قضى بنشوب حرب نووية من شأنه أن يرسم علامات استفهام كبيرة: هل يؤمن بجدوى مباحثات نزع السلاح رئيس يعتنق هذا النظام الدينى؟ وخلال أى أزمة نووية هل سيكون مترويا وعاقلا؟ أو أنه سيكون متهافتا للضغط على الزر، وهو يشعر فى قرارة نفسه أنه يساعد الله فى مخططاته التوراتية المقررة مسبقا لنهاية الزمن؟».

وخلال عهد الرئيس ريجان أثيرت أمام لجنة العلاقات الداخلية فى الكونجرس الأمريكى قضية المحافظة على البيئة. كان ذلك قبل سنوات عديدة من توصل الدول الصناعية الكبرى فى العالم إلى معاهدة كيوتو (فى اليابان) والتى وافقت عليها الولايات المتحدة فى عهد الرئيس بيل كلينتون، ثم سحبت موافقتها عليها فى عهد الرئيس جورج دبليو بوش القريب من هذه العقيدة ومن أركانها.

وأثناء المناقشة تحدث جيمس وات وزير الداخلية فى ذلك الوقت(1983ــ 1982)، فقال: «إن حماية المصادر الطبيعية ليس مهما فى ضوء العودة الحتمية للمسيح.. ذلك أن هذه العودة لن تتم إلا بعد سقوط آخر شجرة».. ولعله لم يفاجئ كثيرين عندما قال أيضا: «لا أعرف عدد أجيال المستقبل التى يمكن الاعتماد عليها قبل أن يعود المسيح».

ويلتزم بهذا الإيمان الملايين من الأمريكيين المنضوين فى حركات أصولية إنجيلية، تعتبر أن القلق على البيئة فى غير محله. وإنه يجب أن يكون تدمير البيئة موضع ترحيب، ويجب أن يسرع كإشارة إلى الدمار الرهيب الذى يسبق العودة الثانية. وقبل الانتخابات الأخيرة التى جرت فى عام 2004 كان حوالى نصف أعضاء الكونجرس مدينين بشكل أو بآخر بفوزهم إلى هذه الحركات الإنجيلية الأصولية.

تبيّن دراسات إحصائية أن فى الولايات المتحدة 200 حركة دينية حديثة تقوم فلسفتها على نظريات نهاية الزمن، ويمارس بعض أعضائها الانتحار الجماعى فى الموعد الذى يحدده مرشد الحركة أو رئيسها. من هذه الحركات مثلا، حركة «بوابة السماء» فى لوس انجلوس و»الكنيسة العلمية»، و«كنيسة المسيح الدولية». ولا يقتصر الأمر على الولايات المتحدة، بل إن هذه الحركات تنتشر فى بعض الدول الأوروبية أيضا؛ ففى بريطانيا وحدها تمّ إحصاء 1600 مجموعة صغيرة، لعل أشهرها حركة «معبد الشمس» التى مارس أعضاء منها من سويسرا وكندا (إضافة إلى بريطانيا) عملية انتحار جماعى (54 شخصا) فى عام 1994. وبعد حادث الانتحار الجماعى (1661 شخصا) فى جرونوبل فى فرنسا، شكلت الحكومة الفرنسية فريقا من 6500 اختصاصى وأنشأت 1300 مركز اجتماعى لتوعية الشباب على أخطار هذه الحركات الدينية.
فى كتابه «نظرية الكارثة ونهاية العالم» يقول الكاتب الأمريكى فرانك كيرمود:

«كان لأميركا رئيس لمدة ثمانى سنوات ــ ريجان ــ آمن بأنه يعيش فى مرحلة نهاية الزمن، وتمنى أن تأتى النهاية خلال رئاسته».

عندما صدر هذا الكتاب، لم تكن الحرب الباردة قد وضعت أوزارها. ولم تكن الولايات المتحدة تبوأت صدارة العالم وبسطت هيمنتها على شئونه وشجونه. ولم يكن جورج دبليو بوش قد وصل إلى البيت الأبيض، ومعه المحافظون الجدد والمسيحانيون المتصهينون.

فى عام 2003 أجرت مجلة «تايم» بالتعاون مع محطة «سى.إن.إن.» الأمريكيتين استطلاعا للرأى فى الولايات المتحدة.. كشفت نتائجه عن الأمرين التاليين :

الأمر الأول: هو أن 59 بالمائة من الأمريكيين يؤمنون بصحة النبوءات التى وردت فى سفر الرؤيا.
الأمر الثانى: هو أن 25 بالمائة من الأمريكيين يعتقدون أن الإنجيل تنبأ بأحداث 11 سبتمبر 2001.

يساهم فى تكوين هذه القناعات لدى الرأى العام الأمريكى 1600 محطة إذاعية و260 محطة تلفزيونية تبث على مدار الساعة وتروج لثقافة دينية قائمة على عقيدة نهاية الزمن.

****

إذا كانت نتائج الاستطلاع الذى أجرته «تايم ــ سى.إن.إن» صحيحا ــ ويفترض أن يكون صحيحا ــ فإن معنى ذلك أن 41 بالمائة من الأمريكيين لا يؤمنون بهذه العقيدة، الأمر الذى يشكل أساسا للتفاؤل بمواجهتها، ولكن هل يكون هذا التفاؤل فى محله؟

مع ذلك، وبصرف النظر عن النظريات التنبؤية بنهاية الزمن، فإن هذه النهاية أمر متفق عليه عمليا وإيمانيا. فالنهاية الحتمية أساس فى كل عقيدة. وهى أساس أيضا فى كل نظرية علمية.

فى النظريات العلمية إن مصير الكرة الأرضية مرتبط بالشمس. وأن الشمس سوف تتضخم بحيث يصبح لديها من قوة الجاذبية ما يكفى لابتلاع الكرة الأرضية. وإن ذلك سوف يحدث على مراحل. وفى كل مرحلة يتقلص محور دوران الأرض حول الشمس إلى أن يتلاشى تماما لتذوب الأرض فى كتلة الشمس المتضخمة بعد خمسة آلاف مليون عام.

خلال هذه المراحل ترتفع الحرارة إلى 2000 درجة مئوية وتتبخر مياه الأنهار والمحيطات... مما يؤدى إلى تشكل جوّ جديد من الصخور المصهورة وليس من الأوكسجين والنيتروجين كما هو الأمر فى الوقت الحاضر. ويتحول لون السماء من الأزرق إلى الأحمر لأن الشمس سوف تكون قد تطورت إلى كتلة سحابية حمراء.

وفى مرحلة مبكرة من هذه المراحل يسقط القمر على الأرض، ويسطع فى الفضاء ضوء كوكبى المريخ والمشترى. ولكن لن يكون هناك إنسان ليشاهد هذا المنظر الجديد.

وفى النظريات العلمية أيضا إن تضخم الشمس التدريجى المترافق مع تقلّص مدار الأرض التدريجى أيضا، يستغرق حوالى مليونى عام، ثم وفى لحظة واحدة، تنجذب الأرض بسرعة هائلة نحو الشمس وتصبح جزءا من كتلتها الملتهبة.
والسؤال الآن هو هل تتناقض هذه النظريات العلمية مع المفاهيم الدينية أم أنها تأتى مصداقا لها؟

يؤكد القرآن الكريم فى سور الرعد (الآية 2) ولقمان (الآية 29) وفاطر (13) والزمر (الآية 5) أن الله «سخر الشمس والقمر كل يجرى إلى أجل مسمى»... أى لفترة محددة.

ويقول القرآن الكريم أيضا فى سورة ياسين (الآية 38) «والشمس تجرى لمستقرّ لها ذلك تقدير العزيز العليم»، أى لموقع محدد.

فالحركة إلى أجل مسمى تعنى أن النظام الشمسى الذى ترتبط به الحياة على الأرض، هو فى حالة حركة مستمرة، وأنه فى حالة تحوّل متواصل، إلى أن تصل الشمس إلى مستقرّ لها، فى الموقع من الفضاء الكونى الذى يطلق عليه العلماء اسم مستقر الشمس Solar Apex.

فالشمس كما نعرفها اليوم هى كتلة من الهيدروجين المتفجر تتحول تدريجيا إلى كتلة من الهيليوم. مما يؤدى إلى تضخّمها والى تمددها. فيخف وهجها وترتفع كثافتها وبالتالى تزداد قوتها الجاذبية، مما يمكّنها من التأثير على مدار الأرض تدريجيا حتى تتمكن من جذبها وابتلاعها.

يقدم القرآن الكريم وصفا للنهاية بقوله فى سورة الأنبياء (الآية 104) «يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب». فهل يمكن أن يفهم من هذه الآية الكريمة الطى بمعنى طى القمر بالأرض والأرض بالشمس فى عملية انفجار داخلى (infusion) أن خروج الأرض عن مدارها بتأثير جاذبية الشمس سوف يمكّنها من جذب القمر. ثم إن استمرار هذه العملية سوف يمكّن الشمس من جذب الأرض فى عملية طىّ لصفحات النظام الشمسى على قاعدة «كن فيكون»، كطى السجل للكتب.

ثم ماذا بعد ذلك؟

يقول الله فى القرآن الكريم: «كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين».

فى النظريات العلمية، الانفجار العظيم كان بداية الكون الذى نعرفه. ولعل هذا ما يشير إليه القرآن الكريم أيضا فى سورة الأنبياء (الآية 30) حيث يقول :«أولم يرَ الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شىء حىّ أفلا يؤمنون».

ثم إن ارتفاع حرارة الأرض بحيث تتبخر مياه البحار والأنهار يعنى نهاية الحياة لأنه لا حياة من دون ماء. ومن فتق السماوات والأرض كبداية، إلى طىّ السماء، كنهاية.

يبدو أن الدين والعلم ليسا متناقضين، وأن كلا منهما ليس معنيا بإثبات أو نفى صحة ما يقوله الآخر.

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات