لا يتوقف الحديث عن ضرورة تحسين صورة مصر فى الخارج، وحتمية مواجهة المغالطات المنتشرة على صفحات جرائد وشاشات الإعلام الغربى. يذكر البعض ضرورة تأسيس محطة تليفزيونية عالمية تخرج بالإنجليزية، وآخرون تحدثوا عن موقع إخبارى إلكترونى باللغة الإنجليزية يقدم كذلك صحافة محترمة ومحترفة راقية تجذب القراء وتملأ الفراغ فى تقديم أخبار مصر الصحيحة على الساحة الدولية بأدوات وأشخاص ينتمون للقرن الحادى والعشرين.
يعتقد أنصار هذه الدعوات أن معضلة تحسين صورة مصر فى الخارج تنبثق من غياب آليات عرض الأخبار المصرية بصورة إيجابية للعالم، وأن هناك فجوة يجب أن يردمها الإعلام الحكومى المصرى كى ينال رضاء الرأى العام العالمى.
***
إلا أن هذه الأصوات تدرك فى أغلبها أن كل ما يتم من نقاش حول هذه النقاط هو للاستهلاك المحلى لا أكثر، وربما رغبة فى إرضاء جهات حكومية لا يدرك القائمون عليها تعقيدات مشهد الإعلام العالمى وكيفية صناعة الأخبار وعرضها، والأهم علاقة القائمين عليها بدوائر الحكم خاصة فى الولايات المتحدة.
ويحرك نشر مقالات على صفحات الجرائد المهمة مثل نيويورك تايمز أو واشنطن بوست أو مقابلات تليفزيونية هنا وهناك تنتقد ممارسات النظام المصرى فيما يتعلق بالحريات والحقوق المدنية ملف تحسين صورة مصر بالخارج بصورة أصبحت روتينية وتسبب الملل من تكرار الكلمات والمصطلحات والتى لم تتغير منذ عهد الرئيس السابق حسنى مبارك.
لن تنجح أى من هذه المبادرات أو المقترحات لسبب بسيط وهو أنها تخلق ميتة وجثة هامدة، لأسباب عديدة أهمها أن القائمين عليها ينتمون للقرن العشرين ولا يتحدث بلغة وأدوات القرن الحادى والعشرين. ويمثل غياب منطق حرية النشر وقيود الرقيب الفعلى أو الذاتى الشخصى حدا يمنع نجاح أى من هذه المبادرات. هل تجرؤ هذه المبادرات المنتظرة على التمتع بما يتمتع به مواقع مستقلة، يتم متابعة أغلب ما تنشره من دوائر الإعلام والسياسة الأمريكية المهتمة بالشأن المصرى. هل تستطيع مواقع الصحف المصرية المتحدثة بالإنجليزية أو التليفزيون الحكومى المتحدث بالإنجليزية التعرض لموضوعات تتناول أخبارا وقضايا حساسة فى مصر؟
هذه هى نوعية الأخبار التى تحظى باهتمام من القارئ والسياسى فى الغرب لما تعكسه من تطورات سياسية واقتصادية مهمة بخصوص مصر ومسارها، والأهم مستقبلها.
لا ينقص الحكومة المصرية الموارد المالية لتحسين صورتها فى الخارج، ففى واشنطن فقط تنفق القاهرة حاليا ما لا يقلل عن ربع مليون جنيه على جهود تحسين الصورة من خلال تعاقدات على الأقل مع ثلاث شركات لوبى وشركات علاقات عامة. وتنص القوانين الأمريكية على ضرورة نشر صور هذا التعاقدات وعرض طبيعة الأنشطة التى تقوم بها تلك الشركات. فهل سيتعرض الإعلام الحكومى الجديد لنقاش جاد حول هذه التعاقدات والهدف منها وكيفية تمويلها، والأهم كيفية قياس كفاءة الأداء لهذه الشركات؟!.
***
وبعيدا عن جهود التحدث الإعلامى للغرب وأمريكا تحديدا، تشتمل جهود تحسين الصورة فى الولايات المتحدة مبادرتين لهما مردود سلبى شديد السوء. أولهما يتمثل فى الوفود الإعلامية والشعبية المصاحبة لزيارة كبار المسئولين المصريين سواء تلك القادمة لواشنطن أو لنيويورك. هذه الوفود تتحدث بالعربية وللداخل المصرى من الولايات المتحدة، وبلا أى مردود على الداخل الأمريكى، وناهيك عن ارتفاع التكلفة وغياب الشفافية عن جهات التمويل والإشراف والترتيب لمثل هذه الفعاليات. ثانى هذه المبادرات السلبية ما يطلق عليه «الدبلوماسية البرلمانية» والتى تكون فى صورة زيارة لوفود برلمانية مصرية لواشنطن. وتكون النتائج كذلك شديدة السلبية، فأغلب الحضور لا يعرفون تفاصيل صنع السياسة المصرية بدقة سواء فى جانبها الداخلى أو الخارجى بسبب طبيعة النظام الرئاسى المصرى الذى تهيمن عليه السلطة التنفيذية. وخلال مشاركتى فى بعض الجلسات المغلقة مع الزائرين من مصر أشهد طرح أسئلة جادة من خبراء الشأن المصرى فى واشنطن، وتكون الإجابات متوقعة لا تأتى بجديد مقنع أو مبرر. وتركز الإجابات على جمل تقليدية غير ذات معنى مثل الاستقلالية التامة للقضاء المصرى وعلى عدم التدخل الحكومى فى شئونه، وتوافر جميع إجراءات التقاضى للمواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الدينية، وأن أى انتهاكات أمنية لحقوق الإنسان ما هى إلا حالات فردية استثنائية يتعامل معها مكتب النائب العام. كذلك يتم تذكير الحضور الأمريكى كثيرا بمبدأ الفصل بين السلطات المتبع فى مصر وعدم تدخل السلطة التنفيذية فى الشئون البرلمانية أو القضائية.
***
لا يمكن تحسين الصورة إلا بطرق طبيعية غير مصطنعة، صحيح أن الصورة الذهنية هى فن وصناعة يلعب فيهما الإعلام والاتصال المباشر ووسائل التواصل الاجتماعى أدوارا مهمة، إلا أنه مهما بلغت قوة هذه الوسائل فإنها تقف عاجزة عن عرض صورة مغايرة للواقع. صورة مصر بالنسبة لشعوب وساسة العالم ارتفعت للسماء قبل ثمانى سنوات مع ثورة 25 يناير بدون أى تخطيط أو استراتيجيات. جهود تحسين الصورة لم ولن تنجح طالما كان الواقع مغايرا. ويعكس الحماس لعمليات التجميل المختلفة غيابا لأى فهم موضوعى لطبيعة وديناميكيات التفاعل وتوازنات القوة فى المجتمعات الغربية والأمريكية. إلا أن تفسير غياب الفهم قد يكون مقبولا ممن هم غرباء على العاصمة الأمريكية. إلا أن الأمر يثير التساؤل عندما يتعلق الأمر بمن يعرفون واشنطن جيدا، ويدركون أن مردود هذه المبادرات والنفقات ليس له أى قيمة حقيقية.
كاتب صحفى يكتب من واشنطن