نشر موقع The left in the European Parliament تقريرا يشير فيه إلى تحديات تسع سيواجهها الاتحاد الأوروبى فى عام 2021... نعرض منه ما يلى:
عانت أوروبا من عام 2020، وإذا أرادت جعل 2021 عاما سعيدا فعليها أن تتكاتف وتتحد لمواجهة الصعوبات. فأزمة كوفيد ــ 19 كشفت هشاشة النظام الرأسمالى حين اضطر المواطنون إلى الاختيار بين الصحة والوظيفة. فى الوقت نفسه، أظهر عام 2020 قوة العمل المشترك فى مواجهة الظلم؛ بدءا من حركة «حياة السود مهمة» إلى المجموعات التى ظهرت فى جميع أنحاء أوروبا لتقديم المساعدات فى ظل الوباء.
فى هذا المقال، تم تسليط الضوء على التحديات التسع التى ستحدد عام 2021 بالنسبة لأوروبا واستعدادها لوضع منفعة الناس والكوكب قبل المنفعة الشخصية.
***
الصحة العامة وجعل لقاح كوفيد ــ 19 متاحا عالميا. فى يونيو 2020 أطلق اليسار عريضة right2cure.eu، وهى ضمن مبادرة حق المواطنين الأوروبيين فى العلاج. وتهدف المبادرة إلى جعل اللقاح سلعة عامة عالمية، متاحة للجميع فى كل مكان. وإذا جمعت الحملة مليون توقيع فى غضون عام واحد، ستضطر المفوضية الأوروبية إلى الاستجابة لهذه المطالب وتحديد جدول زمنى للتنفيذ.
كشف وباء كوفيد ــ19 عن مساوئ السياسات الليبرالية وتدابير التقشف، حيث حولت الأزمة من صحية إلى أزمة اجتماعية واقتصادية. كما كشف الوباء عن طرق استفادة شركات الأدوية من مليارات اليورو التى تدفع كإعانات عامة دون الاضطرار إلى التخلى عن حقوق الملكية الفكرية. وفى اللحظة التى اشتدت فيها الحاجة إلى التضامن والتعاون، كانت شركة بيج فارما تحقق أرباحا هائلة. لا يمكننا أن نسمح بأن تصبح اللقاحات ملكية خاصة لشركات الأدوية متعددة الجنسيات، لذلك أوروبا بحاجة إلى مواصلة كفاحها لجعل الرعاية الصحية والعلاج حقا عالميا.
يقول عضو البرلمان الأوروبى مارك بوتينجا أن السماح لشركات الأدوية متعددة الجنسيات بتحديد الأسعار التى يجب دفعها لحماية صحتنا هو نوع من السرقة للأموال العامة والضمانات الاجتماعية. فالجميع له الحق فى الحماية من الوباء، ولا أحد آمن حتى يكون الجميع آمنين. وتضيف عضوة البرلمان الأوروبى كاترينا كونيسنا أن الأوروبيين بالفعل دفعوا مقابل حصولهم على العلاج، فالمواطنون الأوروبيون تحملوا خطر الوباء واستمروا فى العمل ودفع الضرائب حتى لا يتضرر المجتمع. وهم أيضا ساهموا فى الوصول إلى اللقاح، فهذا العمل لم يكن ليتم بشكل فردى، وهذا يسمو على رغبة الشركات فى تحقيق منافع شخصية ضيقة.
حقوق العمال... لا شك أن العمال كانوا فى الخطوط الأمامية فى المعركة ضد الوباء، ويعانى العاملون فى المستشفيات والصيدليات وعمال النظافة الكثير من الصعاب ويضعون حياتهم على المحك. يدعو اليسار فى البرلمان الأوروبى إلى الاعتراف بهذه القاعدة من العمال كعمال ذات عقود.
فى ظل الجائحة، تم الاحتفاء بالعمال كأبطال، ولكن لم تتغير سياسات العمالة، ومازال العمل مستمرا بوصفات التقشف القديمة المعيبة من تحرير أسواق العمل، والعمل غير المستقر، وتقييد الأجور. لذلك يجب العمل على بناء مستقبل أفضل للعمال ووضع سياسات عمل شاملة تأخذ فى الحسبان النوع الاجتماعى وتقضى على أى شكل من أشكال الاستغلال وتضمن أجور وظروف عمل عادلة للنساء والرجال فى جميع القطاعات.
أزمة المناخ... إضفاء القليل من اللون الأخضر على الرأسمالية لن يوقف تغير المناخ. فعلى الاتحاد الأوروبى العمل على تحسين ظروف المعيشة والعمل، وتعزيز الإنتاج المحلى، ومعالجة البطالة من خلال التعليم، ووضع برامج تركز على الوظائف المستدامة التى تتكيف مع المستقبل. وهناك حاجة إلى تكثيف الجهود لوقف الاحتباس الحرارى وإنقاذ التنوع البيولوجى من خلال تحقيق انخفاض بنسبة 70٪ فى انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بحلول عام 2030، والحياد الكربونى قبل عام 2040 والتخلص التدريجى السريع من الوقود الأحفورى. ويجب أن تؤدى «الصفقة الخضراء» إلى ثورة جذرية ومنهجية وعالمية فى أساليب الإنتاج والاستهلاك والتوزيع وتحسين حياة المجتمع الأوروبى. ويتعين على الاتحاد الأوروبى أن ينفصل عن الإطار الليبرالى الجديد وأن يتحمل مسئوليته فى التسبب فى ظاهرة تغير المناخ وأن يبذل المزيد من الجهد لحل المشكلة.
حقوق المرأة. بعيدا عن الوباء، شهد عام 2020 حراكا نسويا قويا بعدما تم إضفاء الشرعية على حق الإجهاض فى الأرجنتين ومسيرات النساء فى بولندا مطالبات بحقهن على أجسادهن. ولكن، النضال لم ينتهِ بعد. فبسبب تدابير التقشف وخصخصة الخدمات العامة، يتعرض المزيد من النساء إلى العنف والقمع والتمييز خاصة الفقراء منهن أو المهاجرات. يجب أن ينتهى هذا.
نضال النساء لم يشجع فقط التغيير بل فتح مساحات جديدة للنقاش حول نوع المجتمع الذى نريده. لذلك يحتاج المجتمع الأوروبى إلى كسر تطبيع تبعية المرأة والقضاء على الأبوية التى يقوم عليها النظام السياسى والاقتصادى والاجتماعى وخلق عالم جديد منصف.
العدالة الضريبية. الثروة موجودة، ولكن ما ينقصها هو عدالة التوزيع... فى حين كان يواجه الناس ضربات الأزمة القاسية، زادت ثروات أكبر 25 مليارديرا فى العالم بشكل كبير. لذلك سيتعين على الاتحاد الأوروبى إيجاد طرق جديدة وعادلة للخروج من هذه الأزمة الاجتماعية؛ من خلال رفع معدلات ضريبة دخل الشركات، وإنشاء ضريبة ثروة صافية تستهدف الأفراد الأثرياء وصناعة الخدمات المالية.
تحمى تشريعات الاتحاد الأوروبى الحالية الشركات التى تستخدم الثغرات للهروب من الضرائب ويتلقون المعونة التى تقدمها تدابير الإنعاش، وفى المقابل تخسر أوروبا ما يصل إلى تريليون يورو فى التهرب الضريبى كل عام. وإذا أراد الاتحاد الأوروبى أن يكون جادا بشأن العدالة الضريبية، فعليه أن يكافح غسيل الأموال والتهرب الضريبى.
الهجرة وإنهاء الهوس بالقلعة الأوروبية. شهد عام 2020 تمزيق حياة الكثير من الأفراد والعائلات على الحدود الأوروبية. لذلك، هذا العام، يجب مواصلة النضال من أجل تحقيق نظام توزيع اللاجئين على جميع أنحاء الاتحاد الأوروبى ليحل محل اتفاقية دبلن لتوزيع اللاجئين. يجب ضمان الحماية الدولية، والحق فى لم شمل الأسر، وإعادة توطين الفئات الأكثر ضعفا فى جميع الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى.
فى عام 2021 يجب أن ينتهى تعاون الاتحاد الأوروبى مع الميليشيات والأنظمة الاستبدادية. والعمل على فتح قنوات آمنة وقانونية إلى الاتحاد الأوروبى، بما فى ذلك الموانئ الآمنة وتجريم عمليات الإنقاذ البحرية من قبل المتطوعين والمنظمات غير الحكومية. والأهم من ذلك يجب أن ينتهى هوس إبقاء الناس بالخارج، والتركيز على دعم الدول الأعضاء الراغبة فى إعطاء الشرعية لمن يعيشون ويعملون فى أوروبا منذ سنوات.
السلام. زادت الأزمة التى فرضها الوباء العالمى من الحاجة إلى موارد عاجلة للرعاية الصحية مع ضمان الحقوق الاجتماعية والبيئية. ومع ذلك، رأت مفوضية الاتحاد الأوروبى أنه من المناسب الاستمرار فى تمويل صندوق الدفاع الأوروبى مع تعزيز التعاون المنظم الدائم الذى يضع الأسس لاتحاد الدفاع الأوروبى... التاريخ خير مثال على أن العسكرة والأسلحة لا يؤديان إلا إلى الحروب. يجب أن يخدم الاتحاد الأوروبى مصالح شعوب أوروبا بدلا من مصالح مصانع الأسلحة. لذلك لا يعد منطقيا توفير أكثر من 25 مليار يورو للأسلحة والجيش فى ظل أزمة وباء عالمى.
الديمقراطية. انتهت الفاشية بانتهاء الحرب العالمية الثانية، وبفضل الشعب الأوروبى تم بناء مجتمعات أوروبية تقوم على احترام حقوق الإنسان. لا يمكن بعد كل ذلك الترحيب بالسلطوية وخاصة موجات اليمين المتطرف التى تضرب جميع أنحاء أوروبا. ما يثير القلق أن دولا مثل المجر وبولندا استفادت من الوباء لتقويض الحريات المدنية وسيادة القانون بعدة طرق، وفى الوقت نفسه لم يتحرك الاتحاد الأوروبى لمقاومة تلك الانتهاكات بشكل قوى ومنظم.
الرقمنة والذكاء الاصطناعى.. القوة للناس وليست للخوارزميات. يمكن للرقمنة والذكاء الاصطناعى تحسين حياة الملايين، وهذا يمكن أن يتم إذا تمحور حول الإنسان وليس بفكر يقوده السوق. هناك الكثير من المخاطر؛ مثل التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعى التى تعمل على تطوير روبوتات قاتلة وأنظمة التعرف على الوجه التى تهدد النظام الاجتماعى، فمعظم الخوارزميات المستخدمة فى تقنيات التعرف على الوجه تخطئ فى التعرف على الوجوه غير البيضاء أو غير الذكورية، وإذا تم استخدامها من قبل سلطات إنفاذ القانون، فقد يؤدى ذلك إلى اعتقالات وتهم واحتجازات خاطئة... يتم استخدام مشاعرنا كسلع. تنتشر الخوارزميات فى العديد من جوانب حياتنا؛ من تنظيم علاقاتنا، وتصفية الأخبار التى يمكننا الوصول إليها، ودفعنا إلى اتخاذ خيارات سياسية. تقوم بذلك الشركات الكبرى وهدفها واضح؛ زيادة الربح. يجب أن تكون عملية الرقمنة فى أيدى الناس والمؤسسات العامة القادرة على تحديد احتياجات المجتمعات وتقييم تأثيرها على الحياة والبيئة.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلي