نشرت صحيفة جيروزاليم بوست تقريرا حول تصريحات نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ردا على ما زعمته روسيا بأن واشنطن ستنسحب من اللجنة الرباعية لتسوية الصراع الإسرائيلى الفلسطينى. الصحيفة تناولت أيضا مدى جدوى عمل اللجنة، ومستقبلها بعد الغزو الروسى لأوكرانيا، إذ لم يعد يُنظر إلى موسكو ــ أحد أطراف الرباعية ــ على أنها وسيط شرعى يمكنه لعب دور فعال فى عمليات السلام.. نعرض كل ذلك فيما يلى.بداية، اللجنة الرباعية هى لجنة دولية أنشئت فى مدريد عام 2002، تضم كلا من روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة، معنية بحل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وإحلال السلام فى الشرق الأوسط. فتحت مكتبًا فى القدس الشرقية لمساعدة الاقتصاد الفلسطينى، وكل ذلك أثناء محاولة الوصول إلى حل الدولتين. إلا أنها التزمت الصمت نسبيًا فى السنوات الأخيرة حيال ما تقوم به السلطات الإسرائيلية. يشغل الآن رئيس الوزراء البريطانى السابق، تونى بلير، منصب موفد الجنة.
• • •
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، يوم الأربعاء قبل الماضى خلال المؤتمر الصحفى اليومى للوزارة إنه «ليس على علم بأن واشنطن اتخذت أى قرار رسمى بشأن اللجنة الرباعية أو أصدرت أى بيان رسمى بشأن اللجنة الرباعية».
جاء ذلك ردا على سؤال للصحافة حول ما زعمه فلاديمير سافرونكوف، الممثل الخاص لوزارة الخارجية الروسية للشرق الأوسط، بأن الولايات المتحدة «تسحب نفسها من عمل اللجنة الرباعية الدولية للتسوية فى الشرق الأوسط».
ومع ذلك، أوضح برايس لاحقًا أن القضية الإسرائيلية الفلسطينية مركزية بالنسبة لإدارة بايدن التى، حسب قوله، «تفعل ما فى وسعها للمساعدة فى تهيئة الظروف من خلال: إعادة التواصل مع السلطة الفلسطينية، وإعادة التواصل مع الشعب الفلسطينى، ومواصلة الحفاظ على التزامها الصارم بأمن إسرائيل، والاستمرار فى دفع وتعميق شراكتها مع إسرائيل، كل ذلك بطرق تأمل الإدارة الأمريكية بمرور الوقت أن تساعد فى تهيئة الظروف لتحقيق تقدم هادف نحو الهدف النهائى المتمثل فى إقامة دولتين».
• • •
لكن فى الحقيقة، لا ترى إدارة بايدن أن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى قد وصل إلى أرضية مشتركة للتفاهم فى الوقت الحالى، حتى أن برايس قال خلال المؤتمر الصحفى: «نحن لسنا على شفا أى مشاركة ذات مغزى بين الإسرائيليين والفلسطينيين تجاه حل الدولتين».
• • •
على كلٍ، وأيا كان قرار الولايات المتحدة بشأن بقائها فى اللجنة، فإن الأخيرة لم تعد ذات صلة بالصراع الإسرائيلى الفلسطينى، إذ على مر السنين، أصبح من غير الواضح ما هو العمل الذى تقوم به اللجنة الرباعية بالفعل، وما إذا كانت مرتبطة بما يحدث فى إسرائيل والأراضى الفلسطينية.
حتى الآن، لم تتخذ الولايات المتحدة أى قرارات رسمية بشأن الرباعية. ومع ذلك، بعد الغزو الروسى لأوكرانيا، وبسبب التقاعس الطويل من قبل اللجنة الرباعية، من الواضح أن المجموعة تفتقر إلى الشرعية، وهى ميزة مهمة لأى طرف فاعلــ دولة أو منظمةــ يريد أن يلعب دورًا فى قضايا السلام الإقليمية، واتباع نهج واقعى لما يحدث على الأرض.
تم تدشين اللجنة الرباعية خلال الانتفاضة الثانية. تم إنشاؤها فى عصر كانت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا أكثر إنتاجية، وعندما كان الاتحاد الأوروبى يسعى للعب دور أكبر فى الشرق الأوسط.
بحسب تصريحات نيد برايس، المذكورة أعلاه، فإنه لا يعلم ما إذا كان الإدارة الأمريكية اتخذت قرارا حول اللجنة الرباعية، ومع ذلك، فإن إدارة بايدن ملتزمة بقضايا السلام. وقد أعربت عن مخاوفها بشأن زيارة وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير إلى الحرم القدسى، وتشعر بالقلق إزاء سياسات الحكومة الجديدة بقيادة بنيامين نتنياهو.
هذا جزء من سياق أكبر، حيث يُعتقد أن هناك توترات بين الجانبين الأمريكى والإسرائيلى بسبب الأجندة المحافظة اليمينية المتشددة لحكومة نتنياهو الجديدة. تريد الولايات المتحدة مواصلة التزامها تجاه إسرائيل والعمل عن كثب مع تل أبيب، لكنها أوضحت أنها لن تكون قادرة على التزام الصمت عندما يتم سن سياسات تعتبرها خطيرة.
• • •
إذن، ما الذى يجب فعله فى الوقت الراهن وما هو مستقبل اللجنة الرباعية؟ حاليا، يلقى الغزو الروسى لأوكرانيا بظلال من الشك على الكيفية التى يمكن أن تلعب بها موسكو دورًا فى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى. وأسباب ذلك متعددة الأوجه. من ناحية، موسكو مشتتة بسبب الحرب، لن تكون قادرة على التركيز على الشرق الأوسط والمأزق المستمر بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى.
من ناحية أخرى، يعنى الغزو الروسى لأوكرانيا أنه لم يعد يُنظر إلى موسكو على أنها وسيط شرعى من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، حتى لو كان يُنظر إليها على أنها أكثر موضوعية بالنسبة للشعب الفلسطينى بسبب التحالف القوى بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
بكلمات أخرى، كيف يمكن لروسيا ضم شبه جزيرة القرم وأجزاء من أوكرانيا، على سبيل المثال، ثم إدانة إسرائيل بسبب سياساتها فى الضفة الغربية، أو «الضم»؟ بالتأكيد ستواجه موسكو صعوبة فى لعب دور فى عملية السلام طالما شاركت بنشاط فى حرب كبرى (الحرب الأوكرانية) والتى تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولى.
ومع ذلك، قال فلاديمير سافرونكوف، الممثل الخاص لوزارة الخارجية الروسية للشرق الأوسط، مؤخرًا إن موسكو لن تنأى بنفسها عن دورها فى الشرق الأوسط. وأضاف: «أنا مقتنع بأن أى محاولات لإخراج روسيا من المنطقة للتأثير على علاقاتها مع دول الشرق الأوسط لن تنجح»، مشيرًا إلى أن الغرب حاول عزل روسيا عن عمل الرباعية.
• • •
بالنظر إلى هذه الحقائق الجديدة، يجدر بنا أن نتساءل ما هو منطق وجود الرباعية الآن؟، هل تقوم المجموعة بإلقاء نظرة واقعية على الأحداث التى تجرى فى الضفة الغربية وقطاع غزة، مثل تصاعد العنف فى الضفة الغربية، والتى يغذيها تآكل دور السلطة الفلسطينية فى جنين ونابلس؟ كما أن تهريب الأسلحة أيضًا تحدٍ كبير.
هل اللجنة الرباعية أو أعضاؤها ينظرون بجدية فى مسألة تهريب الأسلحة ومدى تأثيرها على تقويض عمل السلطة الفلسطينية وإحداث العنف؟ وهل تتعامل مع هذا مع السلطات المجاورة كالأردن ومصر؟
باختصار، تحتاج البلدان المشاركة فى دعم السلام إلى معالجة الحقائق على الأرض، وليس مجرد الإدلاء بتصريحات أو أفكار غير واقعية. كما تحتاج إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى التزام المجتمع الدولى، لكنهما يحتاجان أيضًا إلى أن يدرك المجتمع الدولى التغييرات التى حدثت خلال العقود الماضية.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصليhttp://bitly.ws/yLUjhttp://bitly.ws/yLUo