قبل عشر سنوات من الآن كان المشاهدون المصريون يستقلون قطارا تليفزيونيا واحدا اسمه «قطار حمدى قنديل»، كانوا ينتظرون «رئيس التحرير» كل جمعة، على الرصيف المواجه لمبنى ماسبيرو، لينطلقوا معه وبه، لمدة تزيد على الساعة، فى براح الكلمة المتلفزة النقية.
ومع الوقت أصبح حمدى قنديل هو المتحدث الرسمى باسم ملايين المشاهدين الباحثين عن بقعة صغيرة هادئة فى المسافة بين حرائق مجنونة تندلع على صفحات جرائد المعارضة، وبين بركة مياه آسنة، تنبعث منها روائح التخمر والتجمد فى جرائد الحكومة المسماة تلطفا «القومية»، غير أن الأمور لم تمض كما أراد لها الجمهور، فقد ضج أصحاب ماسبيرو بما اعتبروه خروجا على النص أو تجاوزا للسقف من «رئيس التحرير»، وبعد سلسلة من التحرشات والمضايقات، خبا البرنامج رويدا رويدا: يذاع أسبوعا، ويحجب أسبوعا آخر، وفى ضربة خاطفة تشبه عمليات الاغتيال بالسيارات المفخخة فى بيروت السبعينيات، اختفى «رئيس التحرير» من التليفزيون المصرى بلا رجعة.
وقد قيل ما قيل فى أسباب اختطاف برنامج حمدى قنديل من مشاهدى ماسبيرو، إلا أن صاحب الشأن لم يتحدث حتى الآن عن أسباب تهجيره قصرا من تليفزيون بلاده، حتى بعد أن ظهر مغردا فوق أشجار أخرى، لم يشأ أن يكشف المستور فى قصة خروجه ببرنامجه من مصر .
والغريب أنه فور تكهين قطار «رئيس التحرير» انقض الجميع على التركة مثل الجوارح الجائعة، كل يختطف قطعة، أو يسطو على جزء من الفكرة ، وهكذا تحول القطار الفاخر إلى مجموعة من الميكروباصات و«التوك توك» دون أن يضع أحد من الذين «قرصنوا» على فكرة البرنامج فى عينه حصوة ملح وينسب الفضل لصاحبه، أو يقول إن ما يقدمه هو امتداد لما حفره حمدى قنديل فى صحراء الإعلام المصرى.
وبمرور الأيام، انتشرت البرامج التى تتغذى على حليب الصحافة المكتوبة انتشار «التوك توك» فى المناطق العشوائية، فيما بقى حمدى قنديل وحيدا مطاردا هناك فى البعيد البعيد، يبتسم ساخرا من الصغار الذين انقضوا على زرع يديه وأعادوا تغليفه وطرحه فى الأسواق بأسماء مشابهة، على طريقة البضاعة الصينية والتايوانية التى تحاول محاكاة المنتج الأصلى.
حمدى قنديل يواصل ترحاله الإجبارى، وهم لا يتورعون عن الحديث عن الريادة والتطوير، و«التوك توك» يتسيد الساحة.