مظاهرات، قمع، موت ثم مظاهرات أكبر رغم شراسة الرد الأمنى أو على الأصح بسبب هذه الشراسة، ثورة الشعب السورى تحتاج إلى نفس طويل وقد تستغرق أشهرا إضافية عدة.
كان النظام ولا يزال يراهن على أن الشعب لن يصمد أمام القمع لكن الذين شرعوا فى النزول إلى الشارع منذ ما يقارب الأربعة شهور كانوا يدركون أن معركتهم أصعب من تلك التى خاضتها شعوب أخرى وقد تتطلب تضحيات اكبر وقناعة الشباب والناشطين كانت منذ البداية ان قرارهم النزول لا عودة عنه مهما حصل وإلا فسوف يدخل الشعب من جديد فى نفق مظلم من الاستبداد لعقود.
صعوبات الثورة هذه وامتدادها الزمنى جعل الشعب يستعد نفسيا ويطور إستراتيجية للمقاومة على المدى الطويل. وقد بدأ هذا يرسخ الثورة داخل المجتمع ويحدث تغييرات فيه.
فبينما كان أول من تظاهر هم شباب الطبقة الوسطى والفئات ذات الدخل المتدنى والمصالح المحدودة، بدأنا نرى أعدادا متزايدة من الرجال فوق الخمسين والستين من العمر ينزلون إلى الشارع وقد زاد عدد الشهداء من هذه الفئة العمرية. ونرى النساء تنظمن مواعيد المظاهرات وإبلاغ السكان بتفاصيلها من بيوتهنّ. أطباء ومهندسين انضموا إلى المظاهرات او يدعمونها بوسائل شتى ومنذ شهر تقريبا بدأنا نرى ان أعدادا متزايدة من تجار المدن الثائرة كحمص وحماة أصبحوا يقدمون دعما للثوار من خلال المساهمة المالية لمساعدة عائلات الشهداء والسجناء وتغطية النفقات لمعالجة المصابين. هذا التلاحم بين الطبقات الاجتماعية المختلفة يشكل تطورا ملحوظا ويغير طابع الثورة وطبيعتها الاجتماعية.
ظاهرة جديدة أخرى هى التواصل بين المدن والمناطق السورية المختلفة فبالإضافة إلى العمل المشترك المستمر بين تنسيقيات شباب الثورة على مواقع التواصل الاجتماعى أصبح بعض الناشطين من أهل حلب ودمشق ينتقلون إلى حمص وحماة للانضمام إلى المظاهرات فيها بسبب صعوبة التظاهر فى مدنهم. وهذا ما يفشل الإستراتيجية الأمنية للسلطة التى تعتمد على عزل كل بلدة أو مدينة ثم الاستفراد فى سحق الحراك فيها.
رغم المعاناة الفظيعة للثوار ولسائر الشعب قد يكون هناك ميّزة واحدة للامتداد الزمنى للثورة فى سوريا وهى ان تغييرا اجتماعيا أصبح يتحقق على الأرض أثناء مقاومة النظام القائم وذلك على شكل تضامن بين الطبقات الاجتماعية وتواصل بين المناطق المختلفة والعمل المشترك بين كل الفئات وابناء المذاهب الدينية على اختلافاتها وإعادة العلاقات الأفقية بين أطياف الشعب.
هكذا بدأت سوريا تحقق تغييرا اجتماعيا استعدادا لإعادة إعمار الحقل السياسى بشكل سليم من دون الدخول فى حوارات عبثية مع النظام.